عدد الزوار 133 التاريخ Wednesday, February 15, 2023 8:23 AM
فأجاب: عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي؛ أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ - وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ... الحَدِيث. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهِ، لَمْ يُخَرِّجْهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَوَّلُ مَا حَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَبَعْدَ إمَارَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَبَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ، فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ ظَهَرَ عَنْهُ ذَلِكَ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدُ الجُهَنِيُّ، فَلَمَّا بَلَغَ الصَّحَابَةَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ، وَأَنْكَرُوا مَقَالَتَهُمْ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - لَمَّا أُخْبِرَ عَنْهُمْ -: إذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَكَذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ كَثِيرٌ، حَتَّى قَالَ فِيهِمْ الْأَئِمَّةُ – كَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمْ -: إنَّ الْمُنْكِرِينَ لِعِلْمِ اللهِ الْمُتَقَدِّمِ يَكْفُرُونَ. انْتَهَى.
فَمَعْبَدٌ هَذَا هُوَ: مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ - وَقِيلَ: ابْنُ عُكَيْمٍ - الجُهَنِيُّ (ق)، نَزِيْلُ البَصْرَةِ، أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالقَدَرِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: "لَا صُحْبَةَ لَهُ".
قَدِمَ المَدِينَةَ فَأَفْسَدَ بِهَا أُنَاسًا.
حَدَّثَ عَنْ: عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ مُرْسِلٌ لَمْ يَلْقَهُمْ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الوَقْتِ عَلَى بِدْعَتِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ، وَزَيْدُ بنُ رُفَيْعٍ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ، وَعَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، وَسَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَآخَرُوْنَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوْقٌ فِي الحَدِيْثِ.
وَذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي أَسَامِي الضُّعَفَاءِ وَمَنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدِيثُهُ صَالِحٌ، وَمَذْهَبُهُ رَدِيءٌ.
قَالَ الجَوْزَجَانِيُّ: كَانَ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي القَدَرِ، احْتَمَلَ النَّاسُ حَدِيْثَهُم لِمَا عَرَفُوا مِنِ اجْتِهَادِهِم فِي الدِّيْنِ وَالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، وَلَمْ يُتَوَهَّمْ عَلَيْهِمُ الكَذِبُ، وَإِنْ بُلُوا بِسُوْءِ رَأْيِهِمْ، مِنْهُمْ: مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَعْبَدٌ رَأْسُهُمْ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ فِي القَدَرِ سَوْسَنٌ بِالعِرَاقِ، كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، فَأَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ، وَأَخَذَ غَيْلَانُ القَدَرِيُّ عَنْ مَعْبَدٍ.
قَالَ الحَسَنُ: إِيَّاكُمْ وَمَعْبَدًا الجُهَنِيَّ، فَإِنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ.
قَالَ يُوْنُسُ: أَدْرَكْتُ الحَسَنَ يَعِيْبُ قَوْلَ مَعْبَدٍ، ثُمَّ تَلَطَّفَ لَهُ مَعْبَدٌ، فَأَلْقَى فِي نَفْسِهِ مَا أَلْقَى.
قَالَ طَاوُوْسٌ: احْذَرُوا قَوْلَ مَعْبَدٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا.
وَقَالَ مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ: لَقِيْتُ مَعْبَدًا بِمَكَّةَ بَعْد فِتْنَةِ ابْنِ الأَشْعَثِ وَهُوَ جَرِيْحٌ، قَدْ قَاتَلَ الحَجَّاجَ فِي المَوَاطِنِ كُلِّهَا.
وَرَوَى ضَمْرَةُ، عَنْ صَدَقَةَ بنِ يَزِيْدَ، قَالَ: كَانَ الحَجَّاجُ يُعَذِّبُ مَعْبَدًا الجُهَنِيَّ بِأَصْنَافِ العَذَابِ وَلَا يَجْزَعُ، ثُمَّ قَتَلَهُ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ: فِي سَنَةِ ثَمَانِيْنَ صَلَبَ عَبْدُ المَلِكِ مَعْبَدًا الجُهَنِيَّ بِدِمَشْقَ.
انْظُرِ: السِّيَرَ لِلذَّهَبِيِّ، وَالتَّهْذِيبَ لِابْنِ حَجَرٍ.