عدد الزوار 282 التاريخ Wednesday, February 15, 2023 8:46 AM
فأجاب: هَذَا المَوْلَى الأَعْجَمِيُّ الحَرَّانِيُّ المُعَطِّلُ المُبْتَدِعُ المَدْعُو بِالجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ؛ ضَالٌّ مُضِلٌّ، زِنْدِيقٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، وَهُوَ أَحَدُ العَوَامِلِ فِي زَوَالِ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَسُقُوطِهَا بِسَبَبِ بِدْعَتِهِ المُكَفِّرَةِ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: (قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّهُ [أَيِ الجَعْدَ] مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، وَعَنْهُ أَخَذَ الجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ مَذْهَبَ نُفَاةِ الصِّفَاتِ، وَكَانَ بِحَرَّانَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ الصَّابِئَةِ الفَلَاسِفَةِ، بَقَايَا أَهْلِ هَذَا الدِّينِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَنَفْيِ الصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ، وَلَهُمْ مُصَنَّفَاتٌ فِي دَعْوَةِ الكَوَاكِبِ).
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: (أَوَّلُ مَنْ أَتَى بِخَلْقِ القُرْآنِ جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ).
وَقَالَ الهَرَوِيُّ: (وَأَمَّا فِتْنَةُ إِنْكَارِ الكَلَامِ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ -؛ فَأَوَّلُ مَنْ زَرَعَهَا جَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ جَعْدٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ - وَهُوَ أُسْتَاذُ أَئِمَّةِ الإِسْلَامِ وَقَائِدُهُمْ -: لَيْسَ الجَعْدُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ"، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنِي القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: (شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيَّ بِوَاسِطٍ يَوْمَ أَضْحَى، وَقَالَ: ارْجِعُوا فَضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللهُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَمَّا يَقُولُ الجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ).
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: (ثُمَّ نَزَلَ وَجَزَّ رَأْسَهُ بِيَدِهِ بِالسِّكِّينِ). وَأَخْرَجَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ فِي مُصَنَّفَاتِهِمُ الحَدِيثِيَّةِ وَالعَقَدِيَّةِ.
وَقَالَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ: "عِدَادُهُ فِي التَّابِعِينَ، مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى، فَقُتِلَ عَلَى ذَلِكَ بِالعِرَاقِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَالقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ.
قَرَأْتُ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ" لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ صَاحِبِ التَّصَانِيفِ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَبِي عِمْرَانَ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ابْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ، وَقَالَ: انْصَرِفُوا إِلَى ضَحَايَاكُمْ، تَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالجَعْدِ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ". قَالَ العَلَّامَةُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ غَيْرَ عِيسَى هَذَا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي "الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ": "كَتَبْتُ عَنْهُ بِالرَّمْلَةِ، فَنَظَرَ أَبِي فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ: "يَدُلُّ حَدِيثُهُ أَنَّهُ غَيْرُ صَدُوقٍ" فَتَرَكْتُ الرِّوَايَةَ عَنْهُ".
قُلْتُ: وَلَعَلَّ رِوَايَتَهُ عَنْهُ هَذِهِ القِصَّةَ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا. وَاللهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ نَظَرَ فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ: "يُكْتَبُ حَدِيثُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَدُوقٍ".
وَقِصَّةُ قَتْلِ خَالِدٍ لِلْجَعْدِ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادَيْهَا ضَعْفٌ، إِلَّا أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ تَلَقَّاهَا العُلَمَاءُ بِالقَبُولِ، وَمَنْهَجُ أَهْلِ العِلْمِ فِي الرِّوَايَاتِ التَّارِيخِيَّةِ التَّسَاهُلُ وَعَدَمُ التَّشَدُّدِ فِي تَطْبِيقِ قَوَاعِدِ النَّقْدِ الحَدِيثِيِّ، إِذَا لَمْ تُخَالِفْ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْنَى عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، لَا عَقَدِيًّا وَلَا فِقْهِيًّا، وَلِأَنَّ الهِمَمَ غَالِبًا لَا تَنْشَطُ إِلَى نَقْلِهَا بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ، وَحَسْبُكَ ذِكْرُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ القَيِّمِ لَهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِمْ دُونَ تَعْقِيبٍ عَلَيْهَا.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ:
وَلِأَجْلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خَالِدُ الْ ... ـقَسْرِيُّ يَوْمَ ذَبَائِحِ القُرْبَانِ
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ خَلِيلَهُ ... كَلَّا وَلَا مُوسَى الكَلِيمُ الدَّانِي
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صَاحِبِ سُنَّةٍ ... للهِ دَرُّكَ مِنْ أَخِي قُرْبَانِ
وَمِنْ حَسَنَاتِ خَالِدٍ القَسْرِيِّ وَمَنَاقِبِهِ أَيْضًا، أَنَّهُ قَتَلَ المُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ البَجَلِيَّ، كَانَ رَافِضِيًّا خَبِيثًا كَذَّابًا سَاحِرًا، ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَفَضَّلَ عَلِيًّا عَلَى الأَنْبِيَاءِ.
وَقَتَلَ بَيَانَ بْنَ سَمْعَانَ أَحَدَ الغُلَاةِ القَائِلِينَ بِأُلُوهِيَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَكَانَ خَالِدٌ وَالِيًا عَلَى العِرَاقِ فِي زَمَنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، وَهِشَامٌ قَتَلَ غَيْلَانَ الدِّمَشْقِيَّ (ق: ١٠٥ هـ) الَّذِي أَظْهَرَ القَوْلَ بِنَفْيِ القَدَرِ، وَأَمَرَ عَامِلَهُ خَالِدًا القَسْرِيَّ بِقَتْلِ الجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَأَمَر وَالِيَهُ بِخُرَاسَانَ نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ أَنْ يَقْتُلَ الجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ تِلْمِيذَ الجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).