عدد الزوار 155 التاريخ Wednesday, July 27, 2022 7:52 PM
فأجاب: العُقُودُ البَاطِلَةُ المُحَرَّمَةُ لَا يَجُوزُ اللُّجُوءُ إِلَيْهَا اخْتِيَارًا - لَا اضْطِرَارًا - مَعَ المُسْلِمِ أَوِ الكَافِرِ، لَا فِي دِيَارِ الإِسْلَامِ وَلَا دِيَارِ الكُفْرِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ العِلْمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الحَنَفِيَّةِ.
وَأَدِلَّةُ الجُمْهُورِ عُمُومُ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ وَالأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، الَّتِي تُحَرِّمُ المُعَامَلَةَ المُحَرَّمَةَ، وَلَا تُجِيزُ العَقْدَ الفَاسِدَ.
وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الأَحْنَافُ مِنَ الأَحَادِيثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُمْ بِهِ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ الإِسْنَادِ أَوْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِدْلَالِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ القَاضِي فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى سَيْرِ الأَوْزَاعِيِّ": "قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا دَخَلَ أَرْضَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَبَاعَهُمُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجْرِي عَلَيْهِمْ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِرِضَا مِنْهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الرِّبَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَضَعَ مِنْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلُ رِبًا وَضَعَهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطِّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ الْمُسْلِمُ أَكْلَ الرِّبَا فِي قَوْمٍ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؟! وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُ يُبَايِعُ الْكَافِرَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لَا يَحِلُّ هَذَا وَلَا يَجُوزُ، وَقَدْ بَلَغَتْنَا الْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرِّبَا، وَإِنَّمَا أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: "لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ". انْتَهَى.
وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ، ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ: "لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ".
وَأَمَّا الاسْتِدْلَالُ بِمِثْلِ: حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِخْرَاجِ بَنِي النَّضِيرِ، وَفِيهِ: «ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا». رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ القَيِّمِ؛ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالذَّهَبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالرَّاجِحُ جَوَازُ هَذَا العَقْدِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا مُرَاهَنَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِرُكَانَةَ إِنْ صَحَّ الخَبَرُ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: "يُقَال: إِنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي إِسْنَادِ خَبَرِهِ نَظَرٌ".
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: «الحَدِيثُ فِي المُصَارَعَةِ ضَعِيفٌ».
وَحَدِيثُ مُرَاهَنَةِ أَبِي بَكْرٍ لِلرُّومِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ المُرَاهَنَةِ جَائِزَةٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ فِيهَا نُصْرَةٌ لِلدِّينِ، وَإِظْهَارٌ لِلْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ.
وَأَمَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ العَبَّاسَ عَلَى الرِّبَا بِمَكَّةَ؛ فَقَضِيَّةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهَا؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ العَبَّاسَ اسْتَمَرَّ فِي التَّعَامُلِ بِالرِّبَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ حُرْمَةُ الرِّبَا، وَالنُّصُوصُ المُحْكَمَةُ عَامَّةٌ فِي المَنْعِ وَمُطْلَقَةٌ؛ فَهِيَ أَحَقُّ بِالعَمَلِ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَجِبُ رَدُّ التَّنَازُعِ إِلَيْهَا.
وَاللهُ أَعْلَمُ.