عدد الزوار 163 التاريخ Monday, March 14, 2022 9:31 AM
(365)
المَوْقِفُ مِنْ زِيَادَةِ الرَّاوِي المَرْفُوعَةِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا مَوْقِفُنَا مِنْ زِيَادَةِ الرَّاوِي المَرْفُوعَةِ؟
فأجاب: فِي المَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ، فَمَثَلًا حَدِيثُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ، قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ بِزِيَادَاتٍ، فَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاعِزٍ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاعِزٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: قُلْ: رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، قَالَ: هَذَا»، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ.
فَالزِّيَادَةُ فِي الحَدِيثِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الحَدِيثِ نَفْسِهِ، إِنْ كَانَتْ مِنْ ضَعِيفٍ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا انْفَرَدَ بِهِ، فَمَا خَالَفَ فِيهِ غَيْرَهُ بِأَنِ انْفَرَدَ فَزَادَ فِي الرِّوَايَةِ أَوْلَى بِالرَّدِّ.
وَإِنْ كَانَتْ المُخَالَفَةُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ ثِقَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، أَوْ أَوْثَقُ لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَاذَّةٌ.
مِثَالُهُ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "المُوَطَّأِ": أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ: "رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ" أَحَدٌ غَيْرُ مَالِكٍ فِيمَا أَعْلَمُ. اهـ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ؛ بِدُونِ تَفْرِيقٍ.
وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُنَافِيَةٍ لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُحْتَمَلُ تَفَرُّدُهُ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ.
مِثَالُهُ: حَدِيثُ البَابِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ عَلَى أَقْوَالٍ أَوْصَلَهَا الزَّرْكَشِيُّ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ قَوْلًا، أَبْرَزُهَا بِاخْتِصَارٍ:
١- تُقْبَلُ مُطْلَقًا.
٢- لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا.
٣- تُقْبَلُ إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الرَّاوِي لَا مِنْهُ.
٤- تُقْبَلُ إِذَا تَعَدَّدَ مَجْلِسُ السَّمَاعِ.
٥- تُقْبَلُ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُخَالَفَةٌ فِي الحُكْمِ.
٦- تُقْبَلُ إِذَا كَانَ رَاوِيهَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الفِقْهُ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ خُصُوصًا الْمُتَقَدِّمِينَ، كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَمَنْ بَعْدَهُمَا كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَالْبُخَارِيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيَّيْنِ، وَمُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِمْ فِي الزِّيَادَةِ قَبُولًا وَرَدًّا: التَّرْجِيحُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَقْوَى عِنْدَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَلَا يَحْكُمُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَحَادِيثِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ فِي نَظَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.