عدد الزوار 154 التاريخ Tuesday, March 15, 2022 9:44 AM
(368)
مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؟".
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: "فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا".
فأجاب: هَذَا حَدِيثٌ قُدُسِيٌّ، عَظِيمُ القَدْرِ، شَرِيفُ المَنْزِلَةِ، صَحِيحٌ، لَهُ طُرُقٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَالخَطِيبُ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَالحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَحَسْبُنَا إِخْرَاجُ الإِمَامِ مُسْلِمٍ لَهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ... الحَدِيثَ».
حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ مَرْوَانَ أَتَمُّهُمَا حَدِيثًا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، ابْنَا بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، فَذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «إِنِّي حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِي الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِي، فَلَا تَظَالَمُوا»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَتَمُّ مِنْ هَذَا. انتهى.
قَالَ العَلَائِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي إِدْرِيسَ: رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَتِهِ.
وَقَالَ الدُّورِيُّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: "لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي قِلَابَةَ، إِنَّمَا حَدَّثَ عَنْ صَحِيفَةِ أَبِي قِلَابَةَ".
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: "وَقَتَادَةُ يُقَالُ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قِلَابَةَ إِلَّا أَحْرُفًا؛ فَإِنَّهُ وَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ أَبِي قِلَابَةَ".
وَلَا يُعِلُّ الحَدِيثَ مَا رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ المَوْقُوفَة المُرْسَلَة، رَوَاهَا مَعْمَرٌ.
وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
قَالَ البَزَّارُ: "وهَذَا الحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ شَهْرٍ، عَنْ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: غَيْرُ وَاحِدٍ". وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ مِنْ حَدِيثِ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ".
فَهَذَا الحَدِيثُ القُدُسِيُّ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَسَائِلُ؛ مِنْهَا: أَنَّ الحَدِيثَ القُدُسِيَّ مَا رَوَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ: هَلْ لفْظُهُ مِنَ اللهِ أَمْ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ بَعْدَ الاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مِنَ اللهِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ مِنَ اللهِ، أَمَّا الحَدِيثُ النَّبَوِيُّ فَلَفْظُهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعْنَاهُ مِنَ اللهِ.
وَالحَدِيثُ القُدُسِيُّ كَالنَّبَوِيِّ، لَيْسَ لَهُ خَصَائِصُ القُرْآنِ الَّتِي أَهَمُّهَا الإِعْجَازُ وَالتَّحَدِّي، وَعَدَمُ رِوَايَتِهِ بِالمَعْنَى، وَانْعِقَادُ الصَّلَاةِ بِهِ، وَالتَّعَبُّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لَهُ، وَحِفْظُهُ، فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَوْلُهُ: (فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ): هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْإِلَهِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ مُحْتَمِلٌ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَلَقَّاهُ بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ" انتهى.
وَقَالَ الزُّرَقِيُّ: "القُرْآنُ أُوحِيَتْ أَلْفَاظُهُ مِنَ اللهِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الحَدِيثُ القُدُسِيُّ فَأُوحِيَتْ أَلْفَاظُهُ مِنَ اللهِ عَلَى المَشْهُورِ، وَالحَدِيثُ النَّبَوِيُّ أُوحِيَتْ مَعَانِيهِ فِي غَيْرِ مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الرَّسُولُ، وَالأَلْفَاظُ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".