عدد الزوار 149 التاريخ Tuesday, March 15, 2022 9:45 AM
(369)
المُرَادُ بِالمُخَضْرِمِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَنْ هُوَ المُخَضْرِمُ؟
فأجاب: المُخَضْرِمُ: هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلَامَ، وَلَمْ يَرِدْ فِي خَبَرٍ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا رَآهُ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي حَيَاتِهِ أَمْ لَا.
مِثَالُهُ: الحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي خَرَّجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا وَاصِلٌ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ ... إِلَى قَوْلِهِ: فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: أَبُو الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ ظَالِمُ بنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ: الدِّيْلِيُّ. وُلِدَ: فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ.
وَقَالَ الوَاقِدِيُّ: أَسْلَمَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَأَبُو الأَسْوَدِ الدِّئْلِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، مُخَضْرِمٌ، أَدْرَكَ الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلَامَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ: مَاتَ فِي الجَارِفِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَذَا قَالَ المَرْزُبَانِيُّ. وَقَالَ المَدَائِنِيُّ: يُقَالُ: إِنَّهُ مَاتَ قِبَلَ الجَارِفِ.
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ مِنَ الأَيَّامِ النَّبَوِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً".
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ: وَأَصَحُّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ: مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا بِهِ، وَمَاتَ عَلَى الإِسْلَامِ.
فَيَدْخُلُ فِيمَنْ لَقِيَهُ مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ أَوْ قَصُرَتْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ أَوْ لَمْ يَرْوِ، وَمَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَغْزُ، وَمَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَوْ لَمْ يُجَالِسْهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالعَمَى ... وَهَذَا التَّعْرِيفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الأَصَحِّ المُخْتَارِ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ، كَالبُخَارِيِّ، وَشَيْخِهِ أَحْمَدَ ابْنِ حَنْبَلٍ، وَمَنْ تَبِعَهُمَا.
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ صَحَابِيٌّ.
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ، إِذْ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لَا تَصِحُّ نِسْبَةُ الرُّؤْيَةِ إِلَيْهِ.
نَعَمْ يَصْدُقُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ فَيَكُونُ صَحَابِيًّا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّةِ، وَمِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ يَكُونُ تَابِعِيًّا.
وَهَلْ يَدْخُلُ مَنْ رَآهُ مَيْتًا قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ الهُذَلِيِّ الشَّاعِرِ؟ إِنْ صَحَّ فَمَحَلُّ نَظَرٍ. وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الدُّخُولِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي تَقْسِيمِ كِتَابِهِ "الإِصَابَةِ":
القِسْمُ الأَوَّلُ: فِيمَنْ وَرَدَتْ صُحْبَتُهُ بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الطَّرِيقُ صَحِيحَةً، أَوْ حَسَنَةً، أَوْ ضَعِيفَةً، أَوْ وَقَعَ ذِكْرُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الصُّحْبَةِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ.
القِسْمُ الثَّانِي: مَنْ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ مِنَ الأَطْفَالِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، مِمَّنْ مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي دُونِ سِنِّ التَّمْيِيزِ، إِذْ ذِكْرُ أُولَئِكَ فِي الصَّحَابَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الإِلْحَاقِ، لِغَلَبَةِ الظَّنِّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُمْ لِتَوَفُّرِ دَوَاعِي أَصْحَابِهِ عَلَى إِحْضَارِهِمْ أَوْلَادَهُمْ عِنْدَهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِمْ لِيُحَنِّكَهُمْ وَيُسَمِّيَهُمْ وَيُبَرِّكَ عَلَيْهِمْ.
القِسْمُ الثَّالِثُ: فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الكُتُبِ المَذْكُورَةِ منَ المُخَضْرِمِينَ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الجَاهِلِيَّةَ وَالإِسْلَامَ، وَلَمْ يَرِدْ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا رَأَوْهُ، سَوَاءٌ أَسْلَمُوا فِي حَيَاتِهِ أَمْ لَا، وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا أَصْحَابَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي كُتُبِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ أَفْصَحُوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُمْ إِلَّا بِمُقَارَبَتِهِمْ لِتِلْكَ الطَّبَقَةِ، لَا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا ... وَغَلَطَ مَنْ جَزَمَ فِي نَقْلِهِ عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ بِأَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهُمْ صَحَابَةٌ، بَلْ مُرَادُ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ بِذِكْرِهِمْ وَاضِحٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ بِنَحْوٍ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ، وَأَحَادِيثُ هَؤُلَاءِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلَةٌ بِالاتِّفَاقِ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ بِالحَدِيثِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فِي التَّمْهِيدِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ.