عدد الزوار 152 التاريخ Monday, March 14, 2022 9:26 AM
(366)
هَلْ يَصِحُّ هَذَا الحَدِيثُ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يَصِحُّ حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ... الحَدِيث؟ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
فأجاب: اتَّفَقَتْ الأُمَّةُ عَلَى تَلَقِّي أَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بِالقَبُولِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَحَادِيثَ وَأَلْفَاظًا قَلِيلَةً جِدًّا انْتُقِدَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا اعْتَمَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ بِصِيغَةِ العَنْعَنَةِ، لَا تَلْمِيذِهِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ تَدْرُسَ، أَخْرَجَ لَهُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَأَخْرَجَ لَهُ تَعْلِيقًا مَجْزُومًا بِهِ.
وَالحَدِيثُ الوَارِدُ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ، حَدَّثَ بِهِ مَعْقِلٌ، وَهُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَاللهِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا).
وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِمِثْلِهِ.
وَلَهُ شَوَاهِدُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ؛ مِنْهَا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولِ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ»، قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنَّ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالخُلَاصَةُ: أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَهُوَ ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ، وَتُحْتَمَلُ عَنْعَنَتُهُ إِذَا كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَوْ كَانَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: أَبُو الزُّبَيْرِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ، وَجَمَاعَةٌ: ثِقَةٌ. وَأَمَّا أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالبُخَارِيُّ، فَقَالُوا: لاَ يُحْتَجُّ بِهِ ... وَقَدْ عِيْبَ أَبُو الزُّبَيْرِ بِأُمُوْرٍ لاَ تُوجِبُ ضَعْفَهُ المُطْلَقَ؛ مِنْهَا: التَّدلِيسُ ... قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ العَبْسِيُّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ ... وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ حَزْمٍ: فَلَا أَقْبَلُ مِنْ حَدِيْثِهِ إِلَّا مَا فِيْهِ: (سَمِعْتُ جَابِرًا)، وَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْهُ، فَأَحتَجُّ بِهَا مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ مَا حَمَلَ عَنْهُ إِلَّا مَا سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، وَعُمْدَةُ ابْنِ حَزْمٍ حِكَايَةُ اللَّيْثِ، ثُمَّ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ إِنَّمَا هُوَ مُنَاوَلَةٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ: أَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، أَمْ لَا".
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: "كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَهُ، فَكَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ احْفَظَنَا".
وَقَالَ السَّاجِيُّ: "صَدُوقٌ حُجَّةٌ فِي الأَحْكَامِ، قَدْ رَوَى عَنْهُ أَهْلُ النَّقْلِ وَقَبِلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْلَفَ شَيْبَةُ أَبَا الزُّبَيْرِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ: إِنَّكَ سَمِعْتَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ مِنْ جَابِرٍ؟ فَقَالَ: اللهِ إِنِّي سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ، يَقُولُ ثَلَاثًا".
وقال سَعِيْدُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: قَدِمتُ مَكَّةَ، فَجِئْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَيْنِ، وَانقَلْبتُ بِهِمَا، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ عَاوَدْتُهُ فَسَأَلْتُهُ: أَسَمِعَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرٍ؟ فَرَجَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ، وَمِنْهُ مَا حُدِّثْتُ عَنْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ، فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي".
قَالَ الذَّهَبِيُّ: "وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مِمَّا لَمْ يُوضِحْ فِيهَا أَبُو الزُّبَيْرِ السَّمَاعَ عَنْ جَابِرٍ، وَهِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ، فَفِي القَلْبِ مِنْهَا شَيْءٌ، مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ. وَحَدِيثُ: رَأَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَتَى أَهْلَهُ زَيْنَبَ. وَحَدِيثُ: النَّهْيِ عَنْ تَجْصِيصِ القُبُورِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ".
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "أَبُو الزُّبَيْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَدْلِيسٌ، فَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالتَّدْلِيسِ عَنِ المُتَّهَمِينَ وَالضُّعَفَاءِ؛ بَلْ تَدْلِيسُهُ مِنْ جِنْسِ تَدْلِيسِ السَّلَفِ، لَمْ يَكُونُوا يُدَلِّسُونَ عَنْ مُتَّهَمٍ وَلَا مَجْرُوحٍ، وَإِنَّمَا كَثُرَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّدْلِيسِ فِي المُتَأَخِّرِينَ".