عدد الزوار 166 التاريخ Tuesday, March 8, 2022 2:30 AM
(363)
مَا دَرَجَةُ هَذَا الحَدِيثِ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا دَرَجَةُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ لِي: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ... الحَدِيث".
فأجاب: الحَدِيثُ صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الحَجَّاجِ، صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَطَرِيقُ حَنَشٍ أَصَحُّ طُرُقِ هَذَا الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الَّذِي هُوَ أَصَحُّ الطُّرُقِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَصَحُّ الطُّرُقِ كُلِّهَا طَرِيقُ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ الَّتِي خَرَّجَهَا التِّرْمِذِيُّ، كَذَا قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَصَّى ابْنَ عَبَّاسٍ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَفِي أَسَانِيدِهَا كُلِّهَا ضَعْفٌ.
وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيُّ أَنَّ أَسَانِيدَ الْحَدِيثِ كُلَّهَا لَيِّنَةٌ، وَبَعْضَهَا أَصْلَحُ مِنْ بَعْضٍ، وَبِكُلِّ حَالٍ، فَطَرِيقُ حَنَشٍ الَّتِي خَرَّجَهَا التِّرْمِذِيُّ حَسَنَةٌ جَيِّدَةٌ. انتهى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الأَرْبَعِينَ: وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ: (احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ... الحَدِيث). قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ" بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَذَكَرَ لَفْظَ رِوَايَةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهِيَ أَتَمُّ، قَالَ: خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ مَعَ إِسْنَادَيْنِ آخَرَيْنِ مُنْقَطِعَيْنِ، وَلَمْ يُمَيِّزْ لَفْظَ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. انتهى.
وَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"، حَيْثُ بَعْضُهُمْ جَعَلَهُ أَعْلَى مِنْ قَوْلِهِ: صَحِيحٌ فَقَطْ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ دُونَهُ.
فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ بِاخْتِصَارٍ وَاقْتِصَارٍ، لَا عَلَى سَبِيلِ الإِسْهَابِ وَالحَصْرِ:
- هُوَ: أَنَّه رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَالْآخَرُ الْحُسْنَ.
- هُوَ: أَنَّه حَسَنٌ عِنْدَ قَوْمٍ، صَحِيحٌ عِنْدَ قَوْمٍ.
- هُوَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُسْنِ اللُّغَوِيُّ دُونَ الِاصْطِلَاحِيِّ.
- هُوَ: حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الدُّنْيَا، صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ الْعُلْيَا.
فَهُوَ حَسَنٌ لِثِقَةِ رِجَالِهِ، وَارْتَقَى مِنَ الحُسْنِ إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ فِي نِهَايَةِ مَرَاتِبِ الثِّقَةِ.
- هُوَ: التَّوَسُّطُ بَيْنَ الأَخِيرَيْنِ، فَيُخَصُّ الأَوَّلُ بِمَا لَهُ إِسْنَادَانِ فَصَاعِدًا، وَالثَّانِي بِالْفَرْدِ.
- هُوَ: أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ دَرَجَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ.
حَيْثُ جَمَعَ طَرَفًا مِنَ الصِّحَّةِ وَطَرَفًا مِنَ الحُسْنِ.
- هُوَ: أَنَّ الْحَدِيثَ إِنْ تَعَدَّدَ إِسْنَادُهُ، فَالْوَصْفُ رَاجِعٌ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْإِسْنَادَيْنِ، أَوِ الْأَسَانِيدِ.
- هُوَ: أَنَّ كُلًّا مِنَ الأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الحَسَنِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الإِسْنَادِ مِنَ المُتَّهَمِ، وَسَلَامَتُهُ مِنَ الشُّذُوذِ، وَتَعَدُّدُ طُرُقِهِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاهِيَةً، مُوجِبٌ لِحُسْنِ الحَدِيثِ عِنْدَهُ.
- هُوَ: أَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الحَسَنِ وَالصَّحِيحِ.
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ المَحَامِلِ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ، فَاللهُ أَعْلَمُ.