عدد الزوار 146 التاريخ Monday, February 28, 2022 9:42 PM
(356)
المَوْقِفُ مِنَ الاخْتِلَافِ فِي وَصْلِ الحَدِيثِ وَإِرْسَالِهِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا مَوْقِفُنَا مِنَ الحَدِيثِ الَّذِي اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ؟
فأجاب: الحَدِيثُ الَّذِي اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، أَوْ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، اخْتِلَافًا مُعْتَبَرًا، يُعَدُّ عِلَّةً مُؤَثِّرَةً فِي الحَدِيثِ، وَيُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ، وَذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الأَوْثَقِ وَالأَحْفَظِ، وَتَقْدِيمِ رِوَايَةِ الأَكْثَرِ، وَمَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
مِثَالُهُ: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قُرَّةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ". وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ. وَالحَدِيثُ لَا بَأْسَ بِهِ، كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: "مَا أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالزُّهْرِيِّ مِنْ قُرَّةَ".
وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ حِبَّانَ قَائِلًا: "كَيْفَ يَكُونُ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالزُّهْرِيِّ، وَكُلُّ شَيْءٍ رَوَى عَنْهُ لَا يَكُونُ سِتِّينَ حَدِيثًا؟! بَلْ أَتْقَنُ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ: مَالِكٌ، وَمَعْمَرٌ، وَالزُّبَيْدِيُّ، وَيُونُسُ، وَعَقِيلُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، هَؤُلَاءِ السِّتَّةُ أَهْلُ الحِفْظِ وَالإِتْقَانِ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ مُرْسَلًا، وَهَذَا عِنْدَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ».
وَالحَدِيثُ حَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: "هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ".
وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ، قَالُوا: لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، كَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَاتُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِنْهُمْ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، وَيُونُسُ، وَمَعْمَرٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا: الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَثَّقَهُ قَوْمٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ، وَالبَاقُونَ سِوَى البُخَارِيِّ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَقَدْ خَلَّطَ الضُّعَفَاءُ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ تَخْلِيطًا فَاحِشًا، وَالصَّحِيحُ فِيهِ الْمُرْسَلُ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَصَلَهُ وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالْعُمَرِيُّ لَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَخَرَّجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ". انتهى.
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ العُلَمَاءِ فِي العَمَلِ حِينَ يَأْتِي الحَدِيثُ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الوَصْلَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّمُ الإِرْسَالَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَاعِي القَرَائِنَ، فَإِنْ تَسَاوَتْ تَوَقَّفَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.