عدد الزوار 134 التاريخ Sunday, February 27, 2022 11:07 PM
(354)
الجَوَابُ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ لِبَعْضِ الضُّعَفَاءِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: بِمَاذَا يُجَابُ عَنْ إِخْرَاجِ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ لِبَعْضِ الضُّعَفَاءِ؟
فأجاب: تَفَرَّدَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ أَحَادِيثَ فِي صَحِيحِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا البُخَارِيُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ مَنْ نَزَلَ عَنْ شَرْطِ البُخَارِيِّ فِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يُخْرِجُ لَهُمْ فِي صَحِيحِهِ؛ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ... الحَدِيثَ». خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ مُتَوَسِّطٌ، اخْتُلِفَ فِيهِ، وَثَّقَهُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَالِحُ الحَدِيثِ، صَدُوقٌ يَهِمُ كَثِيرًا، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، قُلْتُ: يُحْتَجُّ بِهِ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: ضَعِيفٌ. وَقَالَ الحَاكِمُ: لَيْسَ هُوَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إِخْرَاجُهُ لِحَدِيثِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي عَنْ عَطِيَّةَ المَوْضُوعَاتِ.
جَاءَ فِي كِتَابِ "تَدْرِيبِ الرَّاوِي": وقد ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ أَنَّهُ يُقَسِّمُ الْأَحَادِيثَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ الْمُتْقِنُونَ.
وَالثَّانِي: مَا رَوَاهُ الْمَسْتُورُونَ وَالْمُتَوَسِّطُونَ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ.
وَالثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ الضُّعَفَاءُ وَالْمَتْرُوكُونَ.
وَأَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَتْبَعَهُ الثَّانِيَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا يُعَرِّجُ عَلَيْهِ.
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُرَادِهِ بِذَلِكَ: فَقَالَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ: إِنَّ الْمَنِيَّةَ اخْتَرَمَتْ مُسْلِمًا قَبْلَ إِخْرَاجِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهَذَا مِمَّا قَبِلَهُ الشُّيُوخُ وَالنَّاسُ مِنَ الْحَاكِمِ، وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ بَلْ ذَكَرَ حَدِيثَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَأَتَى بِحَدِيثِ الثَّانِيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُتَابَعَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ، أَوْ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ الْأُولَى شَيْئًا، وَأَتَى بِأَحَادِيثِ طَبَقَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهُمْ أَقْوَامٌ تَكَلَّمَ فِيهِمْ أَقْوَامٌ وَزَكَّاهُمْ آخَرُونَ، مِمَّنْ ضُعِّفَ أَوِ اتُّهِمَ بِبِدْعَةٍ، وَطَرَحَ الرَّابِعَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَالْحَاكِمُ تَأَوَّلَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُفْرِدَ لِكُلِّ طَبَقَةٍ كِتَابًا، وَيَأْتِيَ بِأَحَادِيثِهَا خَاصَّةً مُفْرَدَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ عِلَلُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا، قَدْ وَفَّى بِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْأَبْوَابِ، مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْأَسَانِيدِ، كَالْإِرْسَالِ، وَالْإِسْنَادِ، وَالزِّيَادَةِ، وَالنَّقْصِ، وَتَصَاحِيفِ الْمُصَحِّفِينَ.
قَالَ: وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِمَا قَالَهُ ابْنُ سُفْيَانَ صَاحِبُ مُسْلِمٍ: إِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ ثَلَاثَةَ كُتُبٍ مِنَ الْمُسْنَدَاتِ، أَحَدُهَا: هَذَا الَّذِي قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَالثَّانِي: يُدْخِلُ فِيهِ عِكْرِمَةَ وَابْنَ إِسْحَاقَ وَأَمْثَالَهُمَا، وَالثَّالِثُ: يُدْخِلُ فِيهِ مِنَ الضُّعَفَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُطَابِقُ الْغَرَضَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَاكِمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ. اهـ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ ظَاهِرٌ جِدًّا.
الرَّابِعَةُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قَدْ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ رِوَايَتُهُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَالْمُتَوَسِّطِينَ، الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِهِ ثِقَةٌ عِنْدَهُ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ لَا فِي الْأُصُولِ، فَيَذْكُرُ الْحَدِيثَ أَوَّلًا بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ وَيَجْعَلُهُ أَصْلًا، ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِإِسْنَادٍ أَوْ أَسَانِيدَ فِيهَا بَعْضُ الضُّعَفَاءِ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ تُنَبِّهُ عَلَى فَائِدَةٍ فِيمَا قَدَّمَهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ضَعْفُ الضَّعِيفِ الَّذِي اعْتَدَّ بِهِ طَرَأَ بَعْدَ أَخْذِهِ عَنْهُ، بِاخْتِلَاطٍ: كَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، اخْتَلَطَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ مُسْلِمٍ مِنْ مِصْرَ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَعْلُوَ بِالضَّعِيفِ إِسْنَادُهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ نَازِلٌ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْعَالِي، وَلَا يُطَوِّلُ بِإِضَافَةِ النَّازِلِ إِلَيْهِ، مُكْتَفِيًا بِمَعْرِفَةِ أَهْلِ الشَّأْنِ ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رِوَايَتَهُ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، وَقَطَنٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَدْخَلْتُ مِنْ حَدِيثِهِمْ مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ شُيُوخِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا وَقَعَ إِلَيَّ عَنْهُمْ بِارْتِفَاعٍ، وَيَكُونُ عِنْدِي مِنْ رِوَايَةِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِنُزُولٍ فَأَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَامَهُ أَيْضًا عَلَى التَّخْرِيجِ عَنْ سُوَيْدٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ كُنْتُ آتِي بِنُسْخَةِ حَفْصٍ عَنْ مَيْسَرَةَ بِعُلُوٍّ؟.