عدد الزوار 175 التاريخ Friday, October 29, 2021 6:18 AM
فأجاب: قَالَ تَعَالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) .... الآيات.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَحَدَّثَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُهِيَ أَنْ تَنْكِحَ المَرْأَةُ أَخَاهَا تَوْأَمَهَا، وَأُمِرَ أَنْ يَنْكِحَهَا غَيْرُهُ مِنْ إِخْوَتِهَا، وَكَانَ يُولَدُ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ وُلِدَ لَهُ امْرَأَةٌ وَضِيئَةٌ، وَوُلِدَ لَهُ أُخْرَى قَبِيحَةٌ دَمِيمَةٌ، فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَةِ: أَنْكِحْنِي أُخْتَكَ وَأُنْكِحُكَ أُخْتِي. قَالَ: لَا، أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَانًا، فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الكَبْشِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ صَاحِبِ الزَّرْعِ، فَقَتَلَهُ. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا) فَقَرَّبَا قُرْبَانَهُمَا، فَجَاءَ صَاحِبُ الغَنَمِ بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَقْرَنَ أَبْيَضَ، وَصَاحِبُ الحَرْثِ بِصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ، فَقَبِلَ اللهُ الكَبْشَ فَخَزَنَهُ فِي الجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَهُوَ الكَبْشُ الَّذِي ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ، كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ حَرْثٍ وَالْآخَرُ صَاحِبَ غَنَمٍ، وَإِنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ أَكْرَمَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا وَأَحْسَنَهَا، طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْحَرْثِ قَرَّبَ أَشَرَّ حَرْثِهِ الْكَوْدَنَ وَالزُّوَانَ غَيْرَ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ، وَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ -، تَقَبَّلَ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْغَنَمِ، وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْحَرْثِ، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ إِلَى أَخِيهِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ، فَبَيْنَا ابْنَا آدَمَ قَاعِدَانِ، إِذْ قَالَا لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ اللَّهُ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَتَأْكُلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّهُ خَبَتِ النَّارُ، فَقَرَّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاعِيًا، وَكَانَ الْآخَرُ حَرَّاثًا، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ خَيْرَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا، وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَعْضَ زَرْعِهِ، فَجَاءَتْ النَّارُ فَنَزَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَأَكَلَتِ الشَّاةَ وَتَرَكَتِ الزَّرْعَ، وَإِنَّ ابْنَ آدَمَ قَالَ لِأَخِيهِ: أَتَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْكَ وَرُدَّ عَلَيَّ؟ فَلَا وَاللَّهِ لَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
فَهَذَا الْأَثَرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَقْرِيبَ الْقُرْبَانِ كَانَ لَا عَنْ سَبَبٍ وَلَا عَنْ تَدَارُئٍ فِي امْرَأَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ: (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)، فَالسِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إِنَّمَا غَضِبَ عَلَيْهِ وَحَسَدَهُ لِقَبُولِ قُرْبَانِهِ دُونَهُ.
ثُمَّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الَّذِي قَرَّبَ الشَّاةَ هُوَ هَابِيلُ، وَأَنَّ الَّذِي قَرَّبَ الطَّعَامَ هُوَ قَابِيلُ - وَأَنَّهُ تُقُبِّلَ مِنْ هَابِيلَ شَاتُهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُ الْكَبْشُ الَّذِي فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ قَابِيلَ. كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا. انْتَهَى.