إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الإِسْرَاءِ

فأجاب: الْإِسْرَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلًا مِنَ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ عُرُوجُهُ مِنْ بَيْتِ المَقْدِسِ إِلَى السَّمَاوَاتِ حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَوَاقِعَةٌ شَرِيفَةٌ، وَمُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ يَثْبُتْ تَعْيِينُ لَيْلَتِهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِفَضْلٍ، وَلَا رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِحْيَائِهَا، وَلَا حَثَّ عَلَى العِبَادَةِ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ بَلْ وَفِي شَهْرِهَا وَعَامِهَا. 
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ذَكَرَ ابْنُ عَسَاكِرَ أَحَادِيثَ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ، وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِنَحْوٍ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أُسَرِي بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ. ثُمَّ رَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ: فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمْسُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ، قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَعَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ: يَكُونُ الْإِسْرَاءُ فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَعَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ: يَكُونُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مِينَا، عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفِيلِ، يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ. فِيهِ انْقِطَاعٌ.
وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي سِيرَتِهِ، وَقَدْ أَوْرَدَ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ، ذَكَرْنَاهُ فِي فَضَائِلِ شَهْرِ رَجَبٍ، أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، وَهِيَ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ الْمَشْهُورَةُ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 
وَيُنْشِدُ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ: 
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ عُرِّجَ بِالنَّبِيِّ ... لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوَّلَ رَجَبِ
وَهَذَا الشِّعْرُ عَلَيْهِ رَكَاكَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتِشْهَادًا لِمَنْ يَقُولُ بِهِ. 
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ مُسْتَقْصَاةً، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). انْتَهَى.