حُكْمُ تَعْطِيرِ المَسَاجِدِ

فأجاب: يَنْبَغِي العِنَايَةُ بِالمَسَاجِدِ بِأَنْ تُصَانَ عَنِ النَّجَاسَاتِ المَعْنَوِيَّةِ وَالحِسِّيَّةِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُعَطَّرَ. 
قَالَ تَعَالَى: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وَقَالَ تَعَالَى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ المَسَاجِدُ تُكَرَّمُ، وَنَهَى عَنِ اللَّغْوِ فِيهَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
فَالمَسَاجِدُ أُسِّسَتْ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ، فَيَنْبَغِي صِيَانَتُهَا وَرَفْعُهَا عَنِ الشِّرْكِ وَالبِدْعَةِ، وَتَنْزِيهُهَا عَنْ مَسَاوِئِ الأَخْلَاقِ وَعَنِ الأَوْسَاخِ وَالأَقْذَارِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ - أَوْ قَالَ: قَبْرِهَا - فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى يَقُمُّ: يَلْتَقِطُ وَيَكْنُسُ الأَوْسَاخَ مِنْهُ.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ القِبْلَةِ، فَحَكَّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَحَكَّتْهَا، وَجَعَلَتْ مَكَانَهَا خَلُوقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَحْسَنَ هَذَا!». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ فِي الدُّورِ - أَيِ المَحَالِّ الَّتِي فِيهَا الدُّورُ - وَأَنْ تُنَظَّفَ، وَتُطَيَّبَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُجَمِّرُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ جُمُعَةٍ». رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وَعَنِ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى القَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ المَسْجِدِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، لَمْ يَسْمَعِ المُطَّلِبُ مِنْ أَنَسٍ.
وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ أَخْرَجَ أَذًى مِنَ الْمَسْجِدِ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَلَمْ يَسْمَعْ مُسْلِمٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ.