عدد الزوار 143 التاريخ Friday, October 29, 2021 6:18 AM
فأجاب: لَا يُشْهَدُ لِمَيِّتٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ فِي الجَنَّةِ، إِلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَيْنِهِ أَنَّهُ فِي الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ شَهِيدًا أَوْ مَوْلُودًا، لَكِنْ يُشْهَدُ لَهُمْ فِي الجُمْلَةِ، نَحْوَ أَنْ يُقَالَ: الشُّهَدَاءُ فِي الجَنَّةِ، أَطْفَالُ المُسْلِمِينَ فِي الجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مَجْنُونًا لَا يُشْهَدُ لَهُ بِالجَنَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ صَاحِبِ الشَّمْلَةِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الصَّبِيِّ مِنَ الأَنْصَارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، خَرَّجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي أَصْحَابِ الأَعْذَارِ.
وَقَدْ عَقَدَ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ القَيِّمِ "طَرِيقِ الهِجْرَتَيْنِ" فَصْلًا فِي مَرَاتِبِ المُكَلَّفِينَ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ وَطَبَقَاتِهِمْ فِيهَا، قَالَ: الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْمٌ لَا طَاعَةَ لَهُمْ وَلَا مَعْصِيَةَ، وَلَا كُفْرَ وَلَا إِيمَانَ، وَهَؤُلَاءِ أَصْنَافٌ؛ مِنْهُمْ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ بِحَالٍ، وَلَا سَمِعَ لَهَا بِخَبَرٍ، وَمِنْهُمْ: المَجْنُونُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ شَيْئًا وَلَا يُمَيِّزُ، وَمِنْهُمْ: الأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا أَبَدًا، وَمِنْهُمْ: أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُمَيِّزُوا شَيْئًا.
فَاخْتَلَفَتِ الأُمَّةُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَالمَسْأَلَةُ الَّتِي وَسَّعُوا فِيهَا الكَلَامَ هِيَ مَسْأَلَةُ أَطْفَالِ المُشْرِكِينَ. وَأَمَّا أَطْفَالُ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِمْ أَحَدٌ [يَعْنِي] أَنَّهُمْ فِي الجَنَّةِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ جَمَاعَةٍ: أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا فِيهِمْ، وَأَنَّ جَمِيعَ الوِلْدَانِ تَحْتَ المَشِيئَةِ، قَالَ: وَذَهَبَ إِلَى هَذَا القَوْلِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ وَالحَدِيثِ؛ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالُوا: وَهُوَ شِبْهُ مَا رَسَمَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ فِي أَبْوَابِ القَدَرِ، وَمَا أَوْرَدَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصحَابِهِ، وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْءٌ مَنْصُوصٌ إِلَّا أَنَّ المُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَطْفَالَ المُسْلِمِينَ فِي الجَنَّةِ، وَأَطْفَالَ المُشْرِكِينَ خَاصَّةً فِي المَشِيئَةِ.
وَأَمَّا أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ فَلِلنَّاسِ فِيهِمْ ثَمَانِيَةُ مَذَاهِبَ: وَذَكَرَهَا.
وَقَالَ: تَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيْمَانٍ)، كَيْفَ أَتَى بِالوَاوِ العَاطِفَةِ فِي اتِّبَاعِ الذُّرِّيَّةِ، وَجَعَلَ الخَبَرَ عَنِ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هَذَا شَأْنُهُمْ، فَجَعَلَ الخَبَرَ مُسْتَحَقًّا بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا إِيمَانُ الآبَاءِ، وَالثَّانِي: إِتْبَاعُ اللهِ ذَرَّيِّتَهُمْ إِيَّاهُمْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يَتْبَعُهُ كُلُّ ذُرِّيَّةٍ لَهُ، وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا المَعْنَى لَقِيلَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا تَتْبَعُهُمْ ذُرِّيَّاتُهُمْ، فَعَطْفُ الاتِّبَاعِ بِالوَاوِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ المَعْطُوفُ بِهَا قَيْدًا وَشَرْطًا فِي ثُبُوتِ الخَبَرِ، لَا حُصُولِهِ لِكُلِّ أَفْرَادِ المُبْتَدَأِ. وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُتِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ يُصَلَّى عَلَيْهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، طُوبَى لِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ شَرًّا، وَلَمْ يَدْرِ بِهِ. قَالَ: "أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الجَنَّةَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ النَّارَ وَخَلَقَ لَهَا أَهْلًا، وَخَلَقَهَا لَهُمْ وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ"، فَهَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْهَدُ لِكُلِّ طِفْلٍ مِنْ أَطْفَالِ المُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ، وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى أَطْفَالِ المُؤْمِنِينَ فِي الجُمْلَةِ أَنَّهُمْ فِي الجَنَّةِ، لَكِنَّ الشَّهَادَةَ لِلْمُعَيَّنِ مُمْتَنِعَةٌ، كَمَا يُشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا أَنَّهُمْ فِي الجَنَّةِ، وَلَا يُشْهَدُ لِمُعَيَّنٍ بِذَلِكَ، إِلَّا مَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَهَذَا وَجْهُ الحَدِيثِ الَّذِي يُشْكِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَرَدَّهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ. وَمَنْ يَشُكُّ أَنَّ أَوْلَادَ المُسْلِمِينَ فِي الجَنَّةِ؟ وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ تَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةً.
المَذْهَبُ الثَّامِنُ: أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي عَرَصَاتِ القِيَامَةِ، وَيُرْسَلُ إِلَيْهِمْ هُنَاكَ رَسُولٌ، وَإِلَى كُلِّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَمَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ. وَعَلَى هَذَا: فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ فِي الجَنَّةِ وَبَعْضُهُمْ فِي النَّارِ، وَبِهَذَا يَتَأَلَّفُ شَمْلُ الأَدِلَّةِ كُلِّهَا. وَتَتَوَافَقُ الأَحَادِيثُ، وَيَكُونُ مَعْلُومُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ يَقُولُ: "اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"، يَظْهَرُ حَيِنَئِذٍ وَيَقَعُ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا عِلْمًا خَارِجِيًّا لَا عِلْمًا مُجَرَّدًا، وَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَدَّ جَوَابَهُمْ إِلَى عِلْمِ اللهِ فِيهِمْ، وَاللهُ تَعَالَى يَرُدُّ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ إِلَى مَعْلُومِهِ مِنْهُمْ، فَالخَبَرُ عَنْهُمْ مَرْدُودٌ إِلَى عِلْمِهِ، وَمَصِيرُهُمْ مَرْدُودٌ إِلَى مَعْلُومِهِ، وَقَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ، يُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ فَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالبَزَّارُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ، أَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَأَنَا مَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالبَعَرِ، وَأَمَّا الهَرِمُ فَيَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ، وَأَمَّا الَّذِي فِي الفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لِيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا".
قَالَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا رُدَّ إِلَيْهَا". وَذَكَرَ بَعْضَ رِوَايَاتِهِ ... وَهُوَ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ أَيْضًا، وَرَوَاهُ البَزَّارُ، وَلَفْظُهُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، عَنِ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يُعْرَضُ عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَالأَحْمَقُ، وَالهَرِمُ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الفَتْرَةِ، فَيَقُولُ الأَصَمُّ: رَبِّ جَاءَ الإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَالأَحْمَقُ يَقُولُ: رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا، وَيَقُولُ الَّذِي مَاتَ فِي الفَتْرَةِ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، وَذَكَرَ الهَرِمَ وَمَا يَقُولُ، قَالَ: فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا".
قَالَ الحَافِظُ عَبْدُ الحَقِّ فِي حَدِيثِ الأَسْوَدِ: قَدْ جَاءَ هَذَا الحَدِيثُ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا أَعْلَمُ، وَالآخِرَةُ لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ وَلَا عَمَلٍ، وَلَكِنَّ اللهَ يَخُصُّ مَنْ يَشَاءُ بِمَا يَشَاءُ، وَيُكَلِّفُ مَنْ يَشَاءُ مَا شَاءَ وَحَيْثُمَا شَاءَ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.
قُلْتُ: وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ وَامْتِنَاعِهِ عَنْ قَرِيبٍ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ بِنَحْوِهِ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُهُ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاوُسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَوْلُهُ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ المُبَارَكِ الصُّورِيُّ ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ ضَعِيفٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ ثِقَةٌ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذٍ يَرْفَعُهُ: "يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالمَمْسُوخِ عَقْلًا، وَبِالهَالِكِ فِي الفَتْرَةِ، وَبِالهَالِكِ صَغِيرًا، فَيَقُولُ المَمْسُوخُ عَقْلًا: يَا رَبِّ لَوْ آتَيْتَنِي عَقْلًا مَا كَانَ مَنْ آتَيْتَهُ عَقْلًا بِأَسْعَدَ مِنِّي، وَيَقُولُ الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ: يَا رَبِّ لَوْ أَتَانِي مِنْكَ عَهْدٌ مَا كَانَ مَنْ أَتَاهُ مِنْكَ عَهْدٌ بِأَسْعَدَ بِعَهْدِهِ مِنِّي، فَيَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: لَئِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَتُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ وَعِزَّتِكَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا النَّارَ، فَلَوْ دَخَلُوهَا مَا ضَرَّتْهُمْ، قَالَ: فَيَخْرُجُ عَلَيْهِمْ قَوَابِصُ يَظُنُّونَ أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ، فَيَأْمُرُهُمُ الثَّانِيَةَ، فَيَرْجِعُونَ كَذَلِكَ وَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا خَرَجْنَا وَعِزَّتِكَ نُرِيدُ دُخُولَهَا، فَخَرَجَتْ عَلَيْنَا قَوَابِصُ مِنْ نَارٍ ظَنَّنَا أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ، فَيَأْمُرُهُمُ الثَّانِيَةَ، فَيَرْجِعُونَ كَذَلِكَ وَيَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ، فَيَقُولُ اللهُ: قَبْلَ أَنْ تُخْلَقُوا عَلِمْتُ مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، وَعَلَى عِلْمِي خَلَقْتُكُمْ، وَإِلَى عِلْمِي تَصِيرُونَ، فَتَأْخُذُهُمُ النَّارُ"، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَلَهُ أَصْلٌ وَشَوَاهِدُ، وَالأُصُولُ تَشْهَدُ لَهُ. وَفِي البَابِ أَحَادِيثُ غَيْرُ هَذَا.
وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ الامْتِحَانِ فِي الآخِرَةِ مِنْ حَدِيثِ الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الحَقِّ، وَالبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ ... إِلَى آخِرِ مَا كَتَبَهُ تَحْتَ هَذِهِ الطَّبَقَةِ.