عدد الزوار 93 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: الطَّلَاقُ فِي الحَيْضِ بِدْعَةٌ لَا يَجُوزُ، وَاخْتُلِفَ فِي وُقُوعِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتُهَا، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ جِمَاعُهَا، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ.
وَلَا يُطَلِّقُهَا فِي أَوَّلِ طُهْرٍ بَعْدَ الحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا؛ فَهَذِهِ سُنَّةُ الطَّلَاقِ.
وَنَصَّ المَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ "عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الطُّهْرِ المُتَعَقِّبِ لِلْحَيْضِ بِدْعَةٌ".
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: "فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الحَيْضَةَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: لَا يُطَلِّقُهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، عَلَى مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ". انتهى.
وَالأَحْوَطُ الأَخْذُ بِمَا جَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَدَلِيلُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الأَوَّلِ، الَّذِي يَلِي الحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا: مَا جَاءَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ، فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا). وفي رواية: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ إِذَا طَهُرَتْ، فَلْيُطَلِّقْهَا». وَالرِّوَايَةُ المَبْسُوطَةُ أَوْلَى.
قَالَ الشَّافِعيُّ : "غَيْرُ نَافِعٍ إِنَّمَا رَوَى: «حَتَّى تَطْهُرَ مِنَ الحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ». رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَسَالِمٌ".
زَادَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "لَكِنَّ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ نَافِعٍ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَافِظًا".
قَالَ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَكَّدَ هَذَا المَعْنَى؛ حَيْثُ أَمَرَ بِأَنْ يُمْسِكَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الحَيْضَ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ: "مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ أَمْسَكَهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ أُخْرَى، فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا"، فَإِذَا كَانَ قَدْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُمْسِكَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، فَكَيْفَ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ؟!
وَاللهُ أَعْلَمُ.