عدد الزوار 103 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ، كَالطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ عِنْدَ عَامَّةِ العُلَمَاءِ؛ بِدْعَةٌ وَحَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَى المُطَلِّقِ إِرْجَاعُ المُطَلَّقَةِ، وَالخِلَافُ فِي وُقُوعِهِ كَالخِلَافِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ، وَدَلِيلُ حُرْمَةِ طَلَاقِ البِدْعَةِ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ، مَوْلَى عَزَّةَ، يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ ذَلِكَ: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟، فَقَالَ: "طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِيُرَاجِعْهَا، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ، أَوْ لِيُمْسِكْ، قَالَ ابْنُ عُمَرُ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ)، فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ". وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا). فَطَلَاقُ السُّنَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، أَوْ فِي حَالِ اسْتَبَانَ الحَمْلُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: "الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ حَلَالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ؛ فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلَالٌ: فَأَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا. وَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَرَامٌ: فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا، أَوْ يُطَلِّقَهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ، لَا يَدْرِي اشْتَمَلَ الرَّحِمُ عَلَى وَلَدٍ أَمْ لَا". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: "طَلَاقُ النُّفَسَاءِ كَالطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، لَا يَلْزَمُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ قَدْ تَقَدَّمَتْ مِنْهَا اثْنَتَانِ، بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ، وَأَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، أَوْ حَامِلًا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَيْسَ طُهْرًا، وَلَا هُوَ حَمْلٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الحَيْضُ، فَهُوَ حَيْضٌ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَصٌّ أَنَّ النِّفَاسَ لَيْسَ حَيْضًا". انتهى.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَإِنَّ مِنْ تَعْلِيقِ شَيْخِنَا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينِ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى كِتَابِ "القَوَاعِدِ وَالأُصُولِ الجَامِعَةِ" لِلشَّيْخِ السَّعْدِيِّ: "وَظَاهِرُ كَلَامِ المُؤَلِّفِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ حَلَالٌ، وَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا طَلَّقَ فِي النِّفَاسِ فَقَدْ طَلَّقَ لِلْعِدَّةِ، إِذْ إِنَّ النُّفَسَاءَ لَا يَمْنَعُ نِفَاسُهَا مِنَ العِدَّةِ، فَتَشْرَعُ فِي العِدَّةِ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ، وَبِمَاذَا تَعْتَدُّ؟ بِثَلَاثِ حَيْضَاتٍ، وَغَالِبًا المَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ تُرْضِعُ فَإِنَّهَا لَا تَحِيضُ حَتَّى تَفْطِمَ الوَلَدَ، فَتَطُولُ المُدَّةُ، أَمَّا قَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: (ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا)، فَهَذَا وَاضِحٌ أَنَّ المُرَادَ مِنْهُ الحَيْضُ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ، وَأَيْضًا قَالَ: أَوْ حَامِلًا، فَهِيَ لَيْسَتْ نُفَسَاءَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ غَيْرَ طَلَاقٍ بِدْعِيٍّ؛ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ وَجَائِزٌ. انتهى.
وَاللهُ أَعْلَمُ.