عدد الزوار 99 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَتَتَلَخَّصُ أَهَمُّ أَدِلَّةِ المُوقِعِينَ لَهُ، المُعْتَدِّينَ بِهِ، وَهُمُ الجُمْهُورُ، فِي الأُصُولِ التَّالِيَةِ:
أَوَّلًا: عُمُومُ آيَاتِ الطَّلَاقِ وَأَحَادِيثِهِ، فَهِيَ تَشْمَلُ الطَّلَاقَ فِي الحَيْضِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا، كَطَلَاقِ الهَازِلِ.
ثَانِيًا: التَّعْبِيرُ بِالرَّجْعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلْقَةَ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً غَيْرَ مُلَغَاةٍ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا، قَالَ: فَرَاجَعْتُهَا، ثُمَّ طَلَّقْتُهَا لِطُهْرِهَا، قُلْتُ: فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتَ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: مَا لِي لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ؟". وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالبُخَارِيُّ. وَالأَصْلُ أَنَّ ذَلِكَ بِقَضَاءٍ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ وَافَقَ أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، دَاخِلَ الصَّحِيحَيْنِ وَخَارِجَهُمَا؛ مِثْلَ سَالِمٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَيُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَلِلدَّارَقُطْنِيَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَتَحْتَسِبُ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرِجَالُهُ إِلَى شُعْبَةَ ثِقَاتٌ.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ".
وَأَخْرَجَ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ "هِيَ وَاحِدَةٌ".
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيَّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً .. قَالَ: وَتَحْتَسِبُ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
ثَالِثًا: إِفْتَاءُ ابْنِ عُمَرَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ حَتَّى بَتَّ بِهِ النِّكَاحَ، وَهُوَ صَاحِبُ القِصَّةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، قَالَ: "فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، يَقُولُ: أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا، فَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ، وَبَانَتْ مِنْكَ".
وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيَّ، مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعُمَرَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي البَتَّةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: عَصَيْتَ رَبَّكَ، وَفَارَقْتَ امْرَأَتَكَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيَّ: "رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَلَامَ عُمَرَ، وَلَا أَعْلَمُهُ رَوَى هَذَا الكَلَامَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الجُمَحِيِّ". انْتَهَى. وَسَعِيدٌ لَا بَأْسَ بِهِ، لَهُ أَوْهَامٌ.
رَابِعًا: أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَدْ حَكَاهُ بَعْضُهُمْ إِجْمَاعًا، كَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَابْنِ المُنْذِرِ، وَابْنِ عَبْدِ البَرِّ، وَالخَطَّابِيِّ، وَالنَّوَوِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَهَذَا القَوْلُ فِي نَظَرِي أَرْجَحُ دَلِيلًا، إِلَّا أَنَّ القَوْلَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ أَوْسَعُ وَأَرْحَمُ، وَالحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.