عدد الزوار 138 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: تَدُورُ رَحَى مَسْأَلَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الحَيْضِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَجِبُ إِرْجَاعُ المُطَلَّقَةِ، لَكِنْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَقَعُ، كَابْنِ حَزْمٍ، وَابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَابْنِ القَيِّمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَرَجَّحَهُ شَيْخِي صَاحِبُ السَّمَاحَةِ الإِمَامُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ، وَشَيْخِي العَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ العُثَيْمِينُ - رَحِمَهُمَا اللهُ - فَقَدْ نَظَرَ أَصْحَابُ هَذَا القَوْلِ إِلَى رَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنِ عُمَرَ زَوْجَتَهُ، وَتِلَاوَتِهِ: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، وَثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا»، وَصَحَّحَ الحَدِيثَ ابْنُ حَزْمٍ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَابْنُ حَجَرٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَنَحْوُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حَزْمٍ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ مُخَالِفٍ لِلصِّحَاحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِيهِ مَرْفُوعًا: "لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ". فَقَدْ فَسَّرَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، قَالَ: "يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الحَيْضَةِ".
وَاعْتَذَرَ مَنْ لَا يُوقِعُ الطَّلَاقَ عَنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ". رَوَاهَا البُخَارِيُّ، بِأَنَّهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ المَرْفُوعِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَغَايَةُ مَا يُسَلَّمُ بِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ صَرَّحَ بِذَلِكَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ دُونَهُ، وَالعِبْرَةُ بِمَا رَوَى لَا مَا رَأَى.
وَمَنْ قَالَ - وَهُوَ الرَّاجِحُ -: إِنَّ طَلَاقَ الحَائِضِ يَقَعُ، وَهُمْ عَامَّةُ العُلَمَاءِ، وَرَجَّحَهُ شَيْخِي العَلَّامَةُ عَبْدُ اللهِ الجِبْرِين - رَحِمَهُ اللهُ - تَمَسَّكُوا بِلَفْظِ الإِرْجَاعِ فِي الحَدِيثِ، فَهُوَ دَالٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّطْلِيقَةِ، مَعَ أَنَّ الأَصْلَ دُخُولُهَا فِي آيَاتِ وَأَحَادِيثِ الطَّلَاقِ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ - وَهُوَ صَاحِبُ القِصَّةِ - لِعَدَدٍ مِنْ تَلَامِيذِهِ بِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ حُسِبَتْ عَلَيْهِ، وَاعْتُدَّ بِهَا، وَأَفْتَى مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ حَائِضٌ، بِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَمْرَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ تَطْلِيقَةً، وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَ أَبِي الزُّبَيْرِ: "وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، شَاذٌّ، كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ: "الأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ"، وَيُؤَيِّدُ شُذُوذَهَا أَنَّ بَعْضَ الطُّرُقِ إِلَى أَبِي الزُّبَيْرِ - كَطَرِيقِ المِصِّيصِيِّ وَأَبِي عَاصِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ -، لَمْ يَقُولُوا: "وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ؛ فَمَعْنَاهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: لَمْ يَعُدَّهَا شَيْئًا صَوَابًا.
وَقَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا الشَّيْخَانِ، وَأَشَارَ مُسْلِمٌ لِتَرْكِهِ إِيَّاهَا.
وَحَكَمَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَالمُنْذِرِيُّ، وَابْنُ رَجَبٍ، وَالعِرَاقِيُّ، وَغَيْرُهُمْ بِنَكَارَتِهَا.
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: قَالَ أَهْلُ الحَدِيثِ: لَمْ يَرْوِ أَبُو الزُّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: "نَافِعٌ أَثْبَتُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَدْ وَافَقَ نَافِعًا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الثَّبْتِ".
لَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ نَحْوَهُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا ... الحَدِيث، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ لِأَحَدِهِمْ: "أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي بِهَذَا، وَإِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ، وَعَصَيْتَ اللهَ فِيمَا أَمَرَكَ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا صَنَعَتِ التَّطْلِيقَةُ؟ قَالَ: وَاحِدَةٌ اعْتُدَّ بِهَا.
وَوَافَقَ نَافِعًا عَلَى الاعْتِدَادِ بِهَا، وَأَنَّهَا حُسِبَتْ تَطْلِيقَةً، جَمَاعَةٌ؛ مِنْهُمْ عِنْدَ مُسْلِمٍ: سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَدْ حَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ: ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَغَيْرُهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ بِهَذَا النَّقْلِ؛ لِوُجُودِ خِلَافٍ قَدِيمٍ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.