عدد الزوار 127 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: نَعَمْ يَقَعُ، وَتُحْسَبُ طَلْقَةً عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ، وَمِنْهُمُ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ، وَتَسَاهَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ المُنْذِرِ، فَحَكَوْهُ إِجْمَاعًا، وَالطَّلَاقُ أَثْنَاءَ الحَيْضِ بِدْعَةٌ وَحَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُرَاجِعَهَا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ آثِمٌ، إِلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَلَا تُحْسَبُ طَلْقَةً، وَإِلَى هَذَا القَوْلِ ذَهَبَ عَدَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَغَيْرُهُمْ، وَهَذَا القَوْلُ لَهُ مُسْتَنَدُهُ، وَلِلْقَائِلِينَ بِهِ مُنَاقَشَاتٌ وَإِجَابَاتٌ مَقْبُولَةٌ عَلَى أَدِلَّةِ أَصْحَابِ القَوْلِ الأَوَّلِ، وَفِيهِ سَعَةٌ وَرَحْمَةٌ، فَيُدْرَأُ بِهِ هَدْمُ بُيُوتٍ، وَتَفَرُّقُ أُسْرَةٍ، وَتَشَتُّتُ أَطْفَالٍ، عِنْدَمَا تَكُونُ الطَّلْقَةُ ثَالِثَةً، وَالخَطَأُ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنَ الخَطَأِ فِي العُقُوبَةِ، إِلَّا إِنْ تَرَجَّحَ لِلْقَاضِي إِيقَاعُهُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، كَمَا أَجْرَى عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَلْيَتَّقِ اللهَ الأَزْوَاجُ، وَلَا يُطَلِّقُوا زَوْجَاتِهِمْ فِي حَالِ الحَيْضِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ، مَوْلَى عُرْوَةَ، يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ، قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا، وَقَالَ: (إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ، أَوْ لِيُمْسِكْ)، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ)، فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ: الأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ. انتهى. وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَابْنُ حَجَرٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَالأَظْهَرُ أَنَّ زِيَادَةَ "وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا" شَاذَّةٌ أَوْ لَهَا تَأْوِيلٌ.
وَخَرَّجَ ابْنُ حَزْمٍ وَالخُشَنِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ، أَوْ لَا يُعْتَدُّ لِذَلِكَ. وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ القَيِّمِ، وَابْنُ حَجَرٍ.
وَخَرَّجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).
وَاللهُ أَعْلَمُ.