عدد الزوار 154 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: نَعَمْ، لِلذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي فَسَادِ المَعَائِشِ، وَحُلُولِ المَصَائِبِ، وَتَأَخُّرِ المَطَرِ عَنْ مَوْسِمِ نُزُولِهِ، وَصَرْفِهِ عَنْ أَهْلِ البَلَدِ لِظُهُورِ المَعَاصِي فِيهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، وَقَالَ تَعَالَى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: كنْتُ عَاشِرَ عَشَرَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ، خِصَالٌ خَمْسٌ، إِذَا نَزَلْنَ بِكُمْ - وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ -: لَمْ تَظْهَرِ الفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ، وَلَا انْتَقَصُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا البَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذَ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ، وَيَتَخيَّروا فِيمَا أَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ البُوصِيرِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: دَوَابُّ الأَرْضِ، وَهَوَامُّهَا، حَتَّى الخَنَافِسُ، وَالعَقَارِبُ، يَقُولُونَ: مُنِعْنَا القَطْرَ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أَجْدَبَتِ الأَرْضُ، قَالَتِ البَهَائِمُ: هَذَا مِنْ أَجْلِ عُصَاةِ بَنِي آدَمَ، لَعَنَ اللهُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ.
وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِخَلْقِهِ: أَنَّهُ لَا يُعَاجِلُ عِبَادَهُ بِالعُقُوبَةِ، وَأَنَّهُ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ، وَيَغْفِرُ كَثِيرًا مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَوْلَا رَحْمَةُ اللهِ بِنُزُولِ المَطَرِ؛ لَهَلَكَ كُلُّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ)، قَالَ: مَا سَقَاهُمُ المَطَرَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي الآيَةِ، يَقُولُ: إِذَا قَحَطَ المَطَرُ؛ لَمْ يَبْقَ فِي الأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا مَاتَتْ.
وَالذُّنُوبُ تَضُرُّ صَاحِبَهَا، فَإِذَا ظَهَرَتْ وَكَثُرَتْ، عَمَّ ضَرَرُهَا، وَتَعَدَّى شُؤْمُهَا.
أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى والله، إِنَّ الحُبَارَى لَتَمُوتُ هَزْلًا فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: ذُنُوبُ ابْنِ آدَمَ قَتَلَتِ الجُعَلَ فِي جُحْرِهِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حَمِيدٍ، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ العُقُوبَاتِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَادَ الضَّبُّ أَنْ يَمُوتَ فِي جُحْرِهِ؛ هَوْلًا مِنْ ظُلْمِ ابْنِ آدَمَ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْصِيَةَ اللهِ سَبَبٌ فِي حَبْسِ القَطْرِ، وَجَدْبِ الأَرْضِ، فَإِنَّ طَاعَتَهُ سَبَبٌ فِي هُطُولِ الأَمْطَارِ، وَكَثْرَةِ الخَيْرَاتِ، وَنُزُولِ البَرَكَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم)؛ أَيْ: لَأَنْـزَلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ قَطْرَهَا، وَأَخْرَجَ لَهُمْ بِهِ مِنَ الأَرْضِ نَبْتَهَا.
وَاللهُ أَعْلَمُ.