عدد الزوار 113 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: مَنْفَعَةُ البَنْكِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِأَصْحَابِ الحِسَابَاتِ الجَارِيَةِ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
القِسْمُ الأَوَّلُ: مَنْفَعَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ لِأَصْحَابِ الحِسَابَاتِ، الغَرَضُ مِنْهَا رَاحَةُ العَمِيلِ، وَتَسْهِيلُ إِجْرَاءَاتِهِ، أَوْ عَيْنِيَّةٌ لِخِدْمَتِهِ، كَدَفْتَرِ شِيكَاتٍ، وَبِطَاقَةِ سَحْبٍ مَصْرِفِيَّةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ جَائِزَةٌ.
وَالقِسْمُ الثَّانِي: مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ، عِبَارَةٌ عَنْ هَدِيَّةٍ رَمْزِيَّةٍ دِعَائِيَّةٍ، كَقَلَمٍ، وَحَقِيبَةٍ، وَسَاعَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، يُقْصَدُ مِنْهَا الدِّعَايَةُ؛ فَهَذِهِ جَائِزَةٌ.
القِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْفَعَةٌ مَالِيَّةٌ تَشْجِيعِيَّةٌ، لَهَا قِيمَةٌ تُصْرَفُ لِأَصْحَابِ الحِسَابَاتِ؛ لِجَلْبِهِمْ وَبَقَائِهِمْ، مِثْلَ: كُرُوتِ مُشْتَرَيَاتٍ، وَتَذَاكِرِ سَفَرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَهَذِهِ إِنْ كَانَتْ عَنْ مُشَارَطَةٍ؛ فَحَرَامٌ قَبُولُهَا، أَوْ جَرَى فِيهَا عُرْفٌ فَقَصَدَهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا؛ لِلْقَاعِدَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهَا: "كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبًا"، وَقَدْ نُسِبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَصِحُّ النِّسْبَةُ، وَلِقَاعِدَةِ: "المَعْرُوفُ عُرْفًا، كَالمَشْرُوطِ شَرْطًا".
أَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْهَا فَقُدِّمَتْ إِلَيْهِ؛ فَلَهُ قَبْضُهَا عِنْدَ جَمْعٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا، وَهَذَا القَوْلُ أَحْوَطُ، فَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ، فَيُهْدِي لَهُ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى لَهُ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ؛ فَلا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.
وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَشَرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، فَأَهْدَى إلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَأَتَاهُ أُبَيٌّ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا، فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَبِلَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَكَانَ رَدُّ عُمَرَ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّتُهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ قَبِلَهَا، وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ. اهـ.
وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ لِي: إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ، أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ، أَوْ حِمْلَ قَتٍّ؛ فَلا تَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّهُ رِبًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُمْ نَهَوْا الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا". اهـ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْتُ رَجُلًا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ، فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً، قَالَ: رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ، أَوْ احْسِبْهَا لَهُ.
وَرَوَى أَيْضًا عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْتُ رَجُلًا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ.
فَهَدِيَّةُ المُقْتَرِضِ لِلْمُقْرِضِ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَادَةً قَبْلَ القَرْضِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهَا، وَإِمَّا أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ تَحْتَسِبَهَا مِنَ القَرْضِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.