عدد الزوار 108 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: طَلَاقُ الغَضْبَانِ فِيهِ تَفْصِيلٌ:
إِنْ كَانَ الغَضَبُ خَفِيفًا، يَمْلِكُ الإِنْسَانُ مَعَهُ نَفْسَهُ، وَيَعِي قَوْلَهُ، وَيُقَدِّرُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى طَلَاقِهِ، ثُمَّ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ؛ فَهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالاتِّفَاقِ.
وَإِنْ كَانَ غَضَبُهُ شَدِيدًا، قَدْ أَفْقَدَهُ عَقْلَهُ وَوَعْيَهُ، وَأَصْبَحَ يَهْذِي بِمَا لَا يَدْرِي، وَيَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ مَنْ بِهِ شُعْبَةٌ مِنَ الجُنُونِ؛ فَطَلَاقُ هَذَا لَا يَقَعُ بِالاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا الحَالُ الثَّالِثَةُ: فَأَنْ يَكُونَ غَضَبُهُ قَوِيًّا، قَدْ أَكْرَهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَ التَّفْكِيرِ، فَلَا يُثَمِّنُ كَلَامَهُ، وَلَا يَعِي قَرَارَهُ، فَإِذَا هَدَأَ غَضَبُهُ، نَدِمَ عَلَى مَا تَفَوَّهَ بِهِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَرَجَعَ إِلَى عَقْلِهِ وَصَوَابِهِ؛ فَهَذَا الرَّاجِحُ أَنَّ طَلَاقَهُ لَا يَقَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ). لَا بَأْسَ بِهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَغَيْرُهُ.
وَالإِغْلَاقُ: الإِكْرَاهُ، وَالغَضَبُ، وَزَوَالُ العَقْلِ بِدَوَاءٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ سِحْرٍ، وَحَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ قَهْرِيَّةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَدْ فَسَّرَ "الإِغْلَاقَ" بِالغَضَبِ: الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَغَيْرُهُمَا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَابْنُ القَيِّمِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنَّ الدَّعْوَى الكَاذِبَةَ أَمَامَ المُفْتِي أَوِ القَاضِي؛ بِأَنَّهُ طَلَّقَ فِي حَالِ الغَضَبِ الشَّدِيدِ، مَعَ أَنَّ غَضَبَهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّ طَلَاقَهُ لَا يُحْتَسَبُ؛ لَا تُجِيزُ لَهُ إِسْقَاطَ الطَّلَاقِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.