عدد الزوار 108 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: ابْتُلِيَ بِبَيْعِ القِطَطِ وَشِرَائِهَا أُنَاسٌ، وَأَصْبَحُ لِبَيْعِهَا مَحَلَّاتٌ تِجَارِيَّةٌ، مَعَ أَنَّ بَيْعَهَا - وَلَوْ كَانَتْ مُعَلَّمَةً وَمُرَبَّاةً - مُخَالَفٌ لِمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَالمُرُوءَاتِ؛ بَلْ حَرَامٌ عِنْدَ جَمْعٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَالبَيْعُ بَاطِلٌ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَكَذَلِكَ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَهُوَ مَذْهَبُ طَاوُوسَ، وَمُجَاهِدٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَمِيعِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِصِحَّةِ الحَدِيثِ بِذَلِكَ، وَعَدَمِ مَا يُعَارِضُهُ، فَوَجَبَ القَوْلُ بِهِ". انتهى.
وَالحُجَّةُ فِي تَحْرِيمِهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، قَالَ: "زَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ"، وَلِلْخَمْسَةِ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ)؛ يَعْنِي الهِرّ. وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَيْهِ بِالنَّكَارَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِالاضْطِرَابِ، وَضَعَّفَهُ البَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ أَجَازَ الجُمْهُورُ بَيْعَهُ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَبَعْضُهُمْ أَبَاحَ بَيْعَهُ، وَطَعَنُوا فِي صِحَّةِ الحَدِيثِ كَمَا سَبَقَ، وَالحَدِيثُ مَعْلُولٌ.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: «مَا أَعْلَمُ فِيهِ شَيْئًا يَثْبُتُ أَوْ يَصِحُّ. وَقَالَ أَيْضًا: الأَحَادِيثُ فِيهِ مُضْطَرِبَةٌ».
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: فِيهَا نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: (لَيْسَ فِي السِّنَّوْرِ شَيْءٌ يَصِحُّ).
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الخَطَّابِيُّ وَابْنُ المُنْذِرِ أَنَّ الحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَغَلَطٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ" انتهى.
وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: "قَدْ حَمَلَهُ – أَيِ: النَّهْيَ - بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى الهِرِّ إِذَا تَوَحَّشَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الإِسْلَامِ حِينَ كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهِ، ثُمَّ حِينَ صَارَ مَحْكُومًا بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ حَلَّ ثَمَنُهُ، وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ دِلَالَةٌ بَيِّنَةٌ". انتهى .
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ: أَنَّ الهِرَّ طَاهِرٌ مَا عَدَا بَوْلَهُ وَعَذِرَتَهُ، وَلَكِنَّهُ سَبَبٌ فِي بَعْضِ الأَمْرَاضِ لِلْإِنْسَانِ، وَخَاصَّةً الحَامِلَ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.