عدد الزوار 110 التاريخ 01/01/2021
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبَا يَوْمَ القِيَامَةِ مَجْنونًا يُخْنَقُ"، وَقَالَ قَتَادَةُ: "وَتِلْكَ عَلَامَةُ أَهْلِ الرِّبَا يَوْمَ القِيَامَةِ، بُعِثُوا وَبِهِمْ خَبَلٌ مِنَ الشَّيْطَانِ".
وَالأَكْلُ يُقْصَدُ بِهِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَكَاتِبَه"ُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). هَذَا الخُلُودُ الدَّائِمُ هُوَ فِي حَقِّ مَنِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا، وَإِلَّا يُرَادُ بِهِ المُكْثُ الطَّوِيلُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)، فَمَهْمَا كَثُرَ الرِّبْحُ مِنَ المُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ، وَزَادَ الرَّصِيدُ، إِلَّا أَنَّهُ مَنْزُوعُ البَرَكَةِ، وَمَآلُهُ إِلَى النَّقْصِ وَالقِلَّةِ وَالزَّوَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)، مُصِرٍّ عَلَى ذَنْبِهِ، مُقِيمٍ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، مُتَمَادٍ فِي الإِقْدَامِ عَلَى الرِّبَا، أَوْ غَيْرِهِ مِنَ المُحَرَّمَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه)؛ لِأَنَّكُمْ أَعْدَاءٌ، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ آكِلُ الرِّبَا أَنْ يُقَاوِمَ هَذِهِ الحَرْبَ، أَوْ يَجِدَ لَهُ عَلَى الأَرْضِ مَلْجَأً يَلُوذُ بِهِ، أَوْ حِصْنًا يَتَحَصَّنُ فِيهِ، أَوْ جَبَلًا يَعْتَصِمُ بِأَعْلَاهُ، أَوْ سِرْدَابًا يَنْدَسُّ فِي قَاعِهِ، أَوْ بَحْرًا يَخْتَبِئُ فِي قَعْرِهِ، أَوْ جَوًّا يُحَلِّقُ فِي سَمَائِهِ فَلَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، وَلَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ؛ بِلْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ.
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَوْعَدَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا بِالقَتْلِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى الرِّبَا لَا يَنْزِعُ عَنْهُ، فَحَقٌّ عَلَى إِمَامِ المُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ، فَإِنْ نَزَعَ، وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ". وَقَالَ: "يُقَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: "خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ"، وَعَنِ الحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُمَا قَالَا: "وَاللهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّيَارِفَةَ لَأَكَلَةُ الرِّبَا، وَإِنَّهُمْ قَدْ أَذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى النَّاسِ إِمَامٌ عَادِلٌ لَاسْتَتَابَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا وَضَعَ فِيهِمُ السِّلَاحَ". وَقَالَ قَتَادَةُ: "أَوْعَدَهُمُ اللهُ بِالقَتْلِ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَجَعَلَهُمْ بَهْرَجًا أَيْنَمَا أَتَوْا، فَإِيَّاكُمْ وَمَا خَالَطَ هَذِهِ البُيُوعَ مِنَ الرِّبَا؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَوْسَعَ الحَلَالَ وَأَطَابَهُ، فَلَا تُلْجِئَنَّكُمْ إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَاقَةٌ".
وَلَا يَنْبَغِي الاسْتِهَانَةُ بِقَلِيلِ الرِّبَا وَلَا بِالشُّبْهَةِ مِنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: (الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا: مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ). رَوَاهُ الحَاكِمُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهَا وَضَعْفِهَا، وَالأَظْهَرُ أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ لَا تَصِحُّ، وَرَوَى البَيْهَقِيُّ فِي "الشُّعَبِ"، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، أَنَّهُ قَالَ: "الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حُوبًا، وَأَدْنَى فُجْرِهِ مِثْلُ أَنْ يَقَعَ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ".
وَفِي "مُصَنَّفِ" عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَ"مُصَنَّفِ" ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، قَالَ: "لأَنْ أَزْنِيَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَكْلِ دِرْهَمٍ رِبًا، يَعْلَمُ اللَّهُ أَنِّي أَكَلْته حِينَ أَكَلْته وَهُوَ رِبًا".
وَمِنْ عُقُوبَةِ آكِلِ الرِّبَا مَا جَاءَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ غَدَاةٍ: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةِ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ، حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهْرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: إِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ)، فَلَا تَقْبِضُوا مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقَدْ رَغَّبَ اللهُ فِي التَّوْبَةِ مِنَ الرِّبَا، فَمَنْ تَلَطَّخَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَلْيُقْلِعْ عَنْهُ وَلَا يَعُدْ إِلَيْهِ، وَلْيَتَخَلَّصْ مِنَ الأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي فِي يَدِهِ، أَخَذَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ، فِي أَحَدِ قَوْلَيِ العُلَمَاءِ، أَوِ الَّتِي لَهُ عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ فِي مُؤَسَّسَاتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).