عدد الزوار 174 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - أَنَّهُ قَالَ: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ - يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ- قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ). رواه البخاري.
وَثَبَتَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَغَيْرِهِمْ مَرْفُوعًا: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ... الحَدِيث).
فَهَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ فِي طَلِيعَةِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى مَنِ اسْتَحَبَّ الصِّيَامَ فِي العَشْرِ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ). رواه مسلم. لِأَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَفْيِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا ... فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا: لَمْ يَصُمِ العَشْرَ، أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَدْ دَلَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مُضَاعَفَةِ جَمِيعِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي العَشْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا ... وَفِي المُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ حَفْصَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَدَعُ صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالعَشْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - ﷺ -: أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَدَعُ صِيَامَ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ. اهـ. (وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ).
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَمِمَّنْ كَانَ يَصُومُ العَشْرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ: ذِكْرُ فَضْلِ صِيَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ جَوَابُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَأَجَابَ مَرَّةً بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى خِلَافَهُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ حَفْصَةَ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَأَسْنَدَهُ الأَعْمَشُ، وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا.
وَكَذَلِكَ أَجَابَ غَيْرُهُ مِنَ العُلَمَاءِ بِأَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ فِي النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ؛ أُخِذَ بِقَوْلِ المُثْبِتِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ عِلْمًا خَفِيَ عَلَى النَّافِي، وَأَجَابَ أَحْمَدُ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَصُمِ العَشْرَ كَامِلًا؛ يَعْنِي وَحَفْصَةُ أَرَادَتْ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ غَالِبَهُ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.