عدد الزوار 280 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: صَلَاةُ الكُسُوفِ أَمَرَ بِهَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ إِلَيهَا فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وَخَطَبَ بَعْدَهَا خُطْبَةً بَلِيغَةً عَظِيمَةً، وَصَلَّاهَا جَمَاعَةً، وَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «الصَّلَاةُ جَامِعَةً»، وَأَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالاسْتِعَاذَةِ، وَالعِتْقِ، وَالفَزَعِ إِلَى الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَالاسْتِغْفَارِ، وَالصَّلَاةِ.
وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الأَمْرِ، وَأَنَّهُ حَدَثٌ جَلَلٌ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَكَانَ القَوْلُ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَقْوَى مِنَ القَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، يَلِيهِ القَوْلُ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ.
فَتُشْرَعُ صَلَاةُ الكُسُوفِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ لَا بِالتَّوَقُّعَاتِ، فَتُصَلَّى وَلَوْ وَقْتَ نَهْيٍ أَوْ حَالَ سَفَرٍ، فَيُصَلِّيهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّغَارُ، وَالأَصْلُ أَنْ تُصَلَّى جَمَاعَةً فِي المَسْجِدِ، وَمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ صَلَّاهَا فِي أَيِّ مَكَانٍ جَمَاعَةً وَفُرَادَى.
- وَصِفَتُهَا الأَفْضَلُ: أَنْ تُصَلَّى عَلَى المَشْهُورِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الفَاتِحَةَ، ثُمَّ سُورَةً طَوِيلَةً يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ:
يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ، ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ وَبَعْدَهَا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، وَيُطِيلُ القِرَاءَةَ نَحْوَ سُورَةِ البَقَرَةِ، هَكَذَا وَرَدَ، وَلَكِنْ لِضَعْفِ النَّاسِ يُقَلِّلُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيُطِيلُ الرُّكُوعَ، وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ، ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ، وَيُطِيلُ دُونَ الإِطَالَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيُطِيلُ الرُّكُوعَ، وَهُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَيُطِيلُ هَذَا القِيَامَ شَيْئًا، ثُمَّ يَسْجُدُ طَوِيلًا، يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى، ثُمَّ يَرْفَعُ، وَيُطِيلُ الجِلْسَةَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ شَيْئًا، وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِي، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَيُطِيلُ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ، ثُمَّ يَقُومُ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَفْعَلُ فِيهَا مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى إِلَّا أَنَّهَا دُونَهَا فِي الإِطَالَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَيَكُونُ اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ.
وَالأَصْلُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَرِيبٌ مِنَ السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ.
وَإِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثَةِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ جَازَ لِوُرُودِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: مِنَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ الكُسُوفَ لَمْ يَقَعْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَالمَحْفُوظُ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ شَاذٌّ وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا خَرَّجَهَا فِي صَحِيحِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ - وَهُوَ الأَظْهَرُ - إِنْ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثَةِ رُكُوعَاتٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ جَازَ لِصِحَّةِ الأَسَانِيدِ بِهَا، وَالمُتَّفَقُ عَلَيْهِ هُوَ الأَفْضَلُ.
مَسَائِل:
• صَلَاةُ الكُسُوفِ تَوقِيفِيَّةٌ فَنُصَلِّيهَا كَمَا صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
• الأَظْهَرُ وَاللهُ أَعْلَمُ أَنَّ صَلَاةَ الكُسُوفِ إِنَّمَا تُدْرَكُ الرَّكْعَةُ مِنْهَا بِالرُّكُوعِ الأَوَّلِ، فَمَنْ فَاتَهُ قَضَى الرَّكْعَةَ بِرُكُوعَيْهَا.
• يَعِظُ الإِمَامُ النَّاسَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَوْعِظَةً قَصِيرَةً وَيُبَيِّنُ لَهُمْ فِيهَا الحِكْمَةَ مِنَ الكُسُوفِ.
• لَوِ انْتَهَتِ الصَّلَاةُ وَالكُسُوفُ بَاقٍ؟ اشْتَغَلُوا بِالذِّكْرِ وَالاسْتِغْفَارِ.
• إِنْ تَجَلَّى الكُسُوفُ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا خَفِيفَةً.
• إِنْ غَابَتِ الشَّمْسُ كَاسِفَةً لَا يُصَلَّى؛ لِذَهَابِ سُلْطَانِهَا.
• إِنْ طَلَعَتْ وَالقَمَرُ خَاسِفٌ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ سُلْطَانُهُ، وَالأَظْهَرُ أَنَّهَا تُصَلَّى إِنْ كَانَ القَمَرُ لَوْلَا الكُسُوفُ لَأَضَاءَ.
• إِذَا لَمْ يُعْلَمْ بِالكُسُوفِ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ، فَلَا يُقْضَى.
وَاللهُ أَعْلَمُ.