عدد الزوار 397 التاريخ 01/01/2021
السُّنَّةُ زِيَارَةُ الرِّجَالِ لِلْقُبُورِ لِلسَّلَامِ عَلَيْهَا، وَالدُّعَاءِ لِأَهْلِهَا بِالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ، وَيَتَذَكَّرُ الآخِرَةَ، وَإِنْ زَارَ قَرِيبَهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُ فَلَا بَأْسَ، دُونَ أَنْ يَقْرَأَ الفَاتِحَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ السُّوَرِ وَالآيَاتِ.
وَلَا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ قَصْدُ القَبْرِ لِلدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَسُؤَالِ اللهِ عِنْدَهُ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ، وَلَا لِيَتْلُوَ القُرْآنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ البِدَعِ وَوَسَائِلِ الشِّرْكِ وَذَرَائِعِهِ، فَإِنْ سَأَلَ الأَمْوَاتَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا أَوِ الآخِرَةِ؛ فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: (قَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي الدُّعَاءِ وَأَوْقَاتِهِ وَأَمْكِنَتِهِ، وَذَكَرُوا فِيهِ الآثَارَ، فَمَا ذَكَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَضْلَ الدُّعَاءِ عِنْدَ شَيْءٍ مِنَ القُبُورِ حَرْفًا وَاحِدًا، فِيمَا أَعْلَمُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ وَالحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا أَجْوَبَ وَأَفْضَلَ؟!، وَالسَّلَفُ تُنْكِرُهُ وَلَا تَعْرِفُهُ، وَتَنْهَى عَنْهُ وَلَا تَأْمُرُ بِهِ). انتهى.
وَمِنْ آدَابِ الزِّيَارَةِ: مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ).
وَقُبُورُ الصَّحَابَةِ، كَمَقْبَرَةِ البَقِيعِ، وَمَقْبَرَةِ الشُّهَدَاءِ كَغَيْرِهَا مِنَ المَقَابِرِ؛ يُقَالُ عِنْدَهَا الدُّعَاءُ المَشْرُوعُ الذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ، وَيُتَرَضَّى عَنْهُمْ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: "مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبُورِ المَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ).
وَلَا يُشْرَعُ لِلزَّائِرِ أَنْ يَسْأَلَهُمُ الشَّفَاعَةَ، إِذْ لَا أَصْلَ لِهَذِهِ المَسْأَلَةِ، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ، وَلَا يَطْلُبَ مِنْهُمْ تَفْرِيجَ الكُرُبَاتِ؛ فَإِنَّهُ شِرْكٌ أَكْبَرُ.
وَكَذَلِكَ قَبْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَا خَلِيفَتَيْهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إِنَّمَا المَشْرُوعُ السَّلَامُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَالتَّرَضِّي عَنْ صَاحِبَيْهِ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتِ. ثُمَّ يَنْصَرِفُ. صَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
وَلَا يُشْرَعُ لَا لِلْفَرْدِ وَلَا لِلْجَمَاعَةِ الدُّعَاءُ وَسُؤَالُ اللهِ عِنْدَ الحُجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَرَجَاءَ الإِجَابَةِ، وَلَوْ رَفَعَ الدَّاعِي يَدَيْهِ مُتَوَجِّهًا لِلْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ عَمَلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالاسْتِغَاثَةُ بِنَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَغَيْرِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ - وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ - شِرْكٌ أَكْبَرُ.
وَالمَشْرُوعُ بَعْدَ قَبْرِ المَيِّتِ الاسْتِغْفَارُ لَهُ، وَسُؤَالُ اللهِ لَهُ الثَّبَاتَ، كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ، حَيْثُ ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ -، إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الآنَ يُسْأَلُ). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَالنَّوَوِيُّ.
وَلَا يَنْبَغِي الغُلُوُّ وَالعُكُوفُ عِنْدَ القَبْرِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَيُشْرَعُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ. وَاللهُ أَعْلَمُ.