عدد الزوار 363 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: قَالَ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِقْسَامِ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ عَلَى إِضْلَالِ النَّاسِ -: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ).
قَالَ القُرْطُبِيُّ: "وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الإِشَارَةُ بِالتَّغْيِيرِ إِلَى الوَشْمِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنَ التَّصَنُّعِ لِلْحُسْنِ؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالحَسَنُ".
إِنَّ تَغْيِيرَ الإِنْسَانِ لِخِلْقَتِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
القِسْمُ الأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ لِإِزَالَةِ عَيْبٍ أَوْ ضَرَرٍ، كَإِزَالَةِ السِّمْنَةِ، وَتَعْدِيلِ الأَسْنَانِ، وَهَذَا جَائِزٌ.
القِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ لِلْحُسْنِ وَزِيَادَةِ الجَمَالِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ:
مَا كَانَ التَّغْيِيرُ فِيهِ عَنْ طَرِيقِ عَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيلِ الجِرَاحِيَّةِ وَحُقَنِ الفِيلَر، كَالعَبَثِ بِمَعَالِمِ الوَجْهِ وَأَعْضَاءِ الجِسْمِ، فَالأَصْلُ فِيهَا التَّحْرِيمُ؛ لِعَدَمِ الحَاجَةِ المَاسَّةِ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الدَّافِعُ طَلَبُ الجَمَالِ الزَّائِدِ تَبَعًا لِلْهَوَى وَالشَّهْوَةِ.
مَا كَانَ التَّغْيِيرُ فِيهِ عَنْ طَرِيقِ الزِّينَةِ المَعْهُودَةِ، كَالكُحْلِ، وَالحِنَّاءِ، وَالمَكَايِيجِ العَادِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالأَصْلُ فِيهَا الجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا زِينَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، لَا زُورَ فِيهَا وَلَا جِرَاحَةَ.
مَا كَانَ التَّغْيِيرُ فِيهِ عَنْ طَرِيقِ الزِّينَةِ الحَدِيثَةِ الخَالِيَةِ مِنَ الجِرَاحَةِ، كَالعَدَسَاتِ التَّجْمِيلِيَّةِ وَالرُّمُوشِ وَالأَظْفَارِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَتَشْقِيرِ الوَجْهِ، وَتَشْقِيرِ الحَوَاجِبِ بِالأَصْبَاغِ، وَهَذِهِ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ مَا بَيْنَ مَانِعٍ وَمُجِيزٍ، وَتَرْكُهَا أَحْوَطُ لِلشُّبْهَةِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ العُلَمَاءِ، وَلِعَدَمِ الحَاجَةِ المُعْتَبَرَةِ إِلَيْهَا شَرْعًا.
مُلَاحَظَة: مَا قِيلَ بِجَوَازِهِ فَذَلِكَ مَا لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ مِنْ حُصُولِ الضَّرَرِ وَالوُقُوعِ فِي المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالتَّشَبُّهِ المُحَرَّمِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. متفق عليه.
قَالَ القُرْطُبِيُّ: "وَهَذِهِ الأُمُورُ كُلُّهَا قَدْ شَهِدَتْ الأَحَادِيثُ بِلَعْنِ فَاعِلِهَا، وَأَنَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ، وَاخْتُلِفَ فِي المَعْنَى الذِي نُهِيَ لِأَجْلِهَا، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّدْلِيسِ، وَقِيلَ: مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ المَعْنَى الأَوَّلَ، ثُمَّ قِيلَ: هَذَا المَنْهِيُّ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى، فَأَمَّا مَا لَا يَكُونُ بَاقِيًا كَالكُحْلِ، وَالتَّزَيُّنِ بِهِ لِلنِّسَاءِ، فَقَدْ أَجَازَ العُلَمَاءُ ذَلِكَ" انتهى.
وَمِنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ: مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، فَخَطَبَنَا، وَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إِلَّا الْيَهُودَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ، فَسَمَّاهُ الزُّورَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَالاحْتِيَاطُ لِلْمَرْأَةِ البُعْدُ عَنْ كُلِّ تَغْيِيرٍ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، وَفِيهِ تَزْوِيرٌ وَتَدْلِيسٌ، مَا دَامَ البَاعِثُ عَلَيْهِ طَلَبَ الكَمَالِ فِي الجَمَالِ، بِخِلَافِ الضَّرُورَةِ، كَزِرَاعَةِ الشَّعْرِ، وَلُبْسِ البَارُوكَةِ لِمَنْ ابْتُلِيَتْ بِالصَّلَعِ القَبِيحِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.