عدد الزوار 412 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: مِنَ الأُمُورِ المُحْدَثَاتِ، وَالبِدَعِ الضَّلَالَاتِ: بِنَاءُ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ، أَوْ قَبْرُ المَيِّتِ فِي المَسْجِدِ، وَمَنْ أَجَازَ قَصْدَ المَسْجِدِ الذِي دَاخِلُهُ قَبْرٌ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً، فَضْلًا عَنِ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ خَالَفَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الأُمَّةِ.
فَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي "الأُمِّ": وَرَأَيْتُ الأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى؛ يَعْنِي عَلَى القَبْرِ. وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ قَامَ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ لَا يَشْعُرُ بِهِ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: القَبْرَ القَبْرَ. رَوَاهُ الأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّقَهُ البُخَارِيُّ مَجْزُومًا بِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: ((لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ)). قَالَتْ: فَلَوْلَا ذَاكَ أَبْرَزَ قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: ((يُحَذِّرُ مِثْلَ الذِي صَنَعُوا))
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ (شَرْحِ الصُّدُورِ): "اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ، سَابِقُهُمْ وَلَاحِقُهُمْ، وَأَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَنْهُمْ إِلَى هَذَا الوَقْتِ: أَنَّ رَفْعَ القُبُورِ وَالبِنَاءَ عَلَيْهَا بِدْعَةٌ مِنَ البِدَعِ التِي ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا، وَاشْتَدَّ وَعِيدُ رَسُولِ اللهِ لِفَاعِلِهَا، كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ".
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي (مَجْمُوعِ الفَتَاوَى): "لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُ القُبُورِ مَسَاجِدَ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَيْهَا أَوْ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ عِنْدَهَا، بَلْ أَئِمَّةُ الدِّينِ مُتَّفِقُونَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ عِنْدَ قَبْرِ أَحَدٍ، لَا نَبِيٍّ، وَلَا غَيْرِ نَبِيٍّ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَصْدَ الصَّلَاةِ عِنْدَ قَبْرِ أَحَدٍ، أَوْ عِنْدَ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلَى قَبْرٍ أَوْ مَشْهَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: أَمْرٌ مَشْرُوعٌ، بِحَيْثُ يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ، وَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي المَسْجِدِ الذِي لَا قَبْرَ فِيهِ: فَقَدْ مَرَقَ مِنَ الدِّينِ، وَخَالَفَ إِجْمَاعَ المُسْلِمِينَ".