عدد الزوار 42 التاريخ Thursday, May 30, 2024 4:30 AM
فأجاب: رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: "مَنْ شُبْرُمَةَ؟" قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟" قَالَ: لَا، قَالَ: "حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ". وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَفِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَفِي صَحَابِيِّهِ وَالمُلَبِّي عَنْهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْمَحْفُوظُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثُ شُبْرُمَةَ، وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي هَذَا البَابِ أَصَحُّ مِنْهُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي "السُّنَنِ" عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ عَبْدَةَ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَثْبَتُ النَّاسِ سَمَاعًا مِنْ سَعِيدٍ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ القَاضِي عَنْ سَعِيدٍ.
ثُمَّ خَرَّجَ الرِّوَايَةَ المَوْقُوفَةَ وَقَالَ: وَمَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا حَافِظٌ ثِقَةٌ، فَلَا يَضُرُّه خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ: إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَجَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ رَفْعَهُ.
وَأَمَّا الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: رَفْعُهُ خَطَأٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ.
وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَخَالَفَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَخَالَفَهُ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ؛ فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ ابْن عَبَّاسٍ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إنَّهُ أَصَحُّ. قُلْتُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنَّهُ يُقَوِّي الْمَرْفُوعَ؛ لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ رِجَالِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وَفِي إسْنَادِهَا مَنْ يُحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِي حَالِهِ، فَيَجْتَمِعُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ الْحَدِيثِ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَصْحِيحِهِ بِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ عَزْرَةَ، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ بِإِسْقَاطِ عَزْرَةَ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِعَزْرَةَ، فَقَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: عَزْرَةُ لَا شَيْءَ، وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي عَذْرَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ يَحْيَى، وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ ... الْحَدِيثَ.
قَالَ ابْنُ الْمُغَلِّسِ: أَبُو قِلَابَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قُلْتُ: وَاسْتَبْعَدَ صَاحِبُ الإِمَامِ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي زَمَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَسَاقَةٍ وَاحِدَةٍ.
تَنْبِيهٌ: زَعَمَ ابْنُ بَاطِيسَ أَنَّ اسْمَ الْمُلَبِّي نُبَيْشَةُ، وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، فَإِنَّهُ اسْمُ الْمُلَبَّى عَنْهُ، فِيمَا زَعَمَهُ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَخَالَفَهُ النَّاسُ فِيهِ فَقَالُوا: إنَّهُ شُبْرُمَةُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي هَذَا الْخَبَرِ بَانَ أَنَّ الْمُلَبِّيَ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ تِلْكَ الْحَجَّةَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ"، أَرَادَ بِهِ الإِعْلَامَ بِنَفْيِ جَوَازِ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: "ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ"، أَمْرُ إِبَاحَةٍ لَا حَتْمٍ.