عدد الزوار 42 التاريخ Thursday, May 30, 2024 4:28 AM
فأجاب: قَالَ تَعَالَى: (فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
قَالَ البَغَوِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ الرَّجُلُ يُقْدِمُ مُعْتَمِرًا مِنْ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَأَقَامَ حَلَالًا بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ مِنْهَا الحَجَّ، فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِالإِحْلَالِ مِنَ العُمْرَةِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالحَجِّ؛ فَمَعْنَى التَّمَتُّعِ هُوَ الاسْتِمْتَاعُ بَعْدَ الخُرُوجِ مِنَ العُمْرَةِ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الإِحْرَامِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالحَجِّ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: المُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ عَنْهُ، فَشَأْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النُّسُكَيْنِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنَ المِيقَاتِ، وَأَنْ يَرْحَلَ إِلَيْهِ مِنْ قُطْرِهِ، فَإِذَا تَمَتَّعَ بِالنُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ سَقَطَ أَحَدُهُمَا، فَجَعَلَ الشَّرْعُ الدَّمَ جَابِرًا لِمَا فَاتَهُ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ الدَّمُ عَلَى القَارِنِ، وَكُلٌّ يُوصَفُ بِالتَّمَتُّعِ فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ لِهَذَا المَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبِ الدَّمُ عَلَى المَكِّيِّ مُتَمَتِّعًا كَانَ أَوْ قَارِنًا؛ لِأَنَّه لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ المِيقَاتُ وَلَا السَّفَرُ.
قَالَ البَغَوِيُّ: وَلِوُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ أَرْبَعُ شَرَائِطَ: أَحَدُهَا: أَنْ يُحْرِمَ بِالعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَالثَّانِي: أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ العُمْرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالحَجِّ فِي مَكَّةَ وَلَا يَعُودَ إِلَى المِيقَاتِ لِإِحْرَامِهِ، والرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، فَمَتَى وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ، وَهُوَ دَمُ شَاةٍ يَذْبَحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَهُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالحَجِّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ كَدِمَاءِ الجِنَايَاتِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَدَمِ الأُضْحِيَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ؛ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الحَرَمِ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسُ مِنَ التَّابِعِينَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَهْلُ عَرَفَةَ وَالرَّجِيعِ وَضَجْنَانَ وَنَخْلَتَانِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كُلَّ مَنْ كَانَ وَطَنُهُ مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ القَصْرِ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ مَنْ دُونَ المِيقَاتِ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ المِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. انْتَهَى.
وَإِذَا سَافَرَ المُتَمَتِّعُ بَعْدَ العُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ فَحَجَّ، فَهَلْ سَفَرُهُ يَقْطَعُ التَّمَتُّعَ؟
فِي المَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ:
القَوْلُ الأَوَّلُ: إِذَا سَافَرَ بَعْدَ العُمْرَةِ وَقَبْلَ الحَجِّ وَلَوْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ؛ فَإِنَّ تَمَتُّعَهُ يَنْقَطِعُ، وَيَكُونُ حَجُّهُ إِفْرَادًا لَا دَمَ عَلَيْهِ.
القَوْلُ الثَّانِي: لَا يَنْقَطِعُ التَّمَتُّعُ إِلَّا أَنْ يُسَافِرَ إِلَى بَلَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ، وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا ابْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -، وَقَالَ: هَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللهِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ الدَّمَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ وَلَوْ سَافَرَ إِلَى أَهْلِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ مُطْلَقًا، مَا دَامَ أَدَّى العُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ الفِدْيَةَ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الأَقْرَبُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَإِنْ فَدَى احْتِيَاطًا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ فَهَذَا حَسَنٌ، مِنْ بَابِ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا ابْنُ عُثَيْمِينَ - رَحِمَهُ اللهُ -، وَقَدْ سُئِلَ عَمَّنْ زَارَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ العُمْرَةِ وَالحَجِّ، أَوْ خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ، هَلْ يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ إِذَا رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؟ فَأَجَابَ: لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ، يَعْنِي: إِذَا أَدَّى المُتَمَتِّعُ العُمْرَةَ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الطَّائِفِ أَوْ إِلَى جَدَّةَ أَوْ إِلَى المَدِينَةِ ثُمَّ رَجَعَ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ بِالحَجِّ، لِأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى مَقَرِّهِ، فَيُحْرِمُ بِالحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ مَكَّةَ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَذَهَبَ إِلَى المَدِينَةِ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، ثُمَّ رَجَعَ مِنَ المَدِينَةِ وَهُوَ فِي نِيَّتِهِ أَنْ يَحُجَّ فِي هَذَا العَامِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الإِحْرَامُ بِالحَجِّ إِلَّا مِنْ مَكَّةَ. انْتَهَى.
القَوْلُ الثَّالِثُ: لَا يَنْقَطِعُ التَّمَتُّعُ وَلَوْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ المُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ).
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الفَصْلُ الثَّانِي: فِي الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ ... إِلَى أَنْ قَالَ: الثَّالِثُ، أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ العُمْرَةِ وَالحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالمُغِيرَةِ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ رَجَعَ إِلَى المِيقَاتِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِنْ رَجَعَ إِلَى مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ رَجَعَ إِلَى مِصْرِهِ، أَوْ إِلَى غَيْرِهِ أَبْعَدَ مِنْ مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الحَسَنُ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ. واخْتَارَهُ ابْنُ المُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)، وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، ثُمَّ أقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ ورَجَعَ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى المِيقَاتِ، أَوْ مَا دُونَهُ، لَزِمَهُ الإحْرَامُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ، فَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِأَحَدِ السَّفَرَيْنِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، كَمَوْضِعِ الوِفَاقِ، وَالآيَةُ تَنَاوَلَتِ المُتَمَتِّعَ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُمَرَ. انْتَهَى.
وَالأَحْوَطُ أَنَّهُ إِذَا سَافَرَ بَعْدَ العُمْرَةِ إِلَى بَلَدِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ فَأَقَامَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ يُرِيدُ الحَجَّ فَمَرَّ بِالمِيقَاتِ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.