عدد الزوار 73 التاريخ Monday, April 1, 2024 6:56 AM
فأجاب: الجَمْعُ الحَقِيقِيُّ لَا الصُّورِيُّ فِي الحَضَرِ دُونَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، كَالمَطَرِ أَوِ المَشَقَّةِ البَالِغَةِ الطَّارِئَةِ النَّادِرَةِ: لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَإِنْ صَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ»، قَالَ: «وَحَنَشٌ هَذَا ... ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ»، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي السَّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ، وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَرِيضِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، "وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي المَطَرِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ".
وَإِذَا تَأَمَّلْنَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، الوَارِدَ فِي الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ المَجْمُوعَتَيْنِ بِالمَدِينَةِ وَأَحَادِيثَ المَوَاقِيتِ وَمَسَالِكَ أَهْلِ العِلْمِ فِي تَوْجِيهِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الحَضَرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي لَفْظِهِ وَقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ: "لَيْسَ فِي كِتَابِي حَدِيثٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ إِلَّا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ..."؛ تَرَجَّحَ ضَرُورَةُ حَمْلِهِ عَلَى الأَصْلِ القَاضِي بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الحَضَرِ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا، إِلَّا لِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، وَعُذْرٍ مَرْعِيٍّ، يُجِيزُ الجَمْعَ، وَيَرْفَعُ الحَرَجَ، مِنْ وُجُودِ مَطَرٍ أَوْ مَشَقَّةٍ أَوْ شُغْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ -: جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا، فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي البَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مِثْلُهُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ. قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ؟ لَا أُمَّ لَكَ! ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ: فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ.
قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَسَأَلْتُ سَعِيدًا: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ، قَالَ مَالِكٌ: «أُرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا: الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ.
فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ: عَسَى. أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَيُّوبَ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ.
قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى الأَعْمَشِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ، وَفِي لَفْظِهِ - أَيْضًا -؛ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الأَعْمَشِ، عَنْهُ فِيهِ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْهُ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا ضَرَرٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَلَا عُذْرٍ.
وَذَكَرَ البَزَّارُ، أَنَّ لَفْظَةَ "المَطَرِ" تَفَرَّدَ بِهَا حَبِيبٌ، وَغَيْرُهُ لَا يَذْكُرُهَا. قَالَ: عَلَى أَنَّ عَبْدَ الكَرِيمِ قَدْ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ فِيهَا ابْنُ عَبْدِ البَرِّ. انْتَهَى.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ وَلَا قَرٍّ، الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمْعًا. قُلْتُ لَهُ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الحَمِيدِ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ.
وَخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ - وَفِيهِ ضَعْفٌ -، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالمَدِينَةِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، أَرَادَ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ.
وَخَرَّجَهُ حَرْبٌ الكَرْمَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ - وَفِيهِ ضَعْفٌ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا مَطَرٍ. فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: التَّوْسِعَةَ عَلَى أُمَّتِهِ.
وَخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ، فِي غَيْرِ مَطَرٍ وَلَا سَفَرٍ. قَالُوا: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، مَا أَرَادَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: التَّوَسَّعَ عَلَى الأُمَّةِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَصَالِحٌ، مُخْتَلَفٌ فِي أَمْرِهِ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا.
وَفِي البَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ، فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ".
وَعَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ أبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرًا، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا.
قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا، أَخَّرَ الظُّهْرَ، وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ».
قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: الصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الحَدِيثِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ ظَنِّ أَبِي الشِّعْثَاءِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ. انْتَهَى.
وَهَذَا مَا يُعْرَفُ بِالجَمْعِ الصُّورِيِّ؛ حَيْثُ تُصَلَّى كُلُّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا.
فَقَدْ صَحَّ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، قَالَ: فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حِينَ تَطْهُرِينَ، وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ المَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ، وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ». رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيَّ - عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انْتَهَى.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ - عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ، فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُغُلٍ، وَزَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الْأُولَى، وَالْعَصْرَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ». وحَبِيبٌ، لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ القَطَّانُ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي الحَدِيثِ بِذَاكَ.
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلشُّغْلِ.
قَالَ القَاضِي وَغَيْرُهُ: مُرَادُهُ: الشُّغْلُ الَّذِي يُبَاحُ مَعَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ وَالجَمَاعَةِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ: "مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا عِلَّةٍ". خَرَّجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، لَيْسَ بِذَاكَ الحَافِظِ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِهَا وَالكَلَامِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ: قَدِ اخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ العُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، فِي الجَمْعِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ، وَلَهُمْ فِيهِ مَسَالِكُ مُتَعَدِّدَةٌ - وَذَكَرَ ثَمَانِيَةَ مَسَالِكَ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ "كِتَابِهِ" أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ.
وَثَامِنُهَا: حَمْلُ الحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الحَضَرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِالكُلِّيَّةِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَنْ أَشْهَبَ صَاحِبِ مَالِكٍ. انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ فِي مُسْلِمٍ كَمَا تَرَاهَا، وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا تَأْوِيلَاتٌ وَمَذَاهِبُ، ثُمَّ ذَكَرَهَا وَالاعْتِرَاضَاتِ عَلَيْهَا ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَرَضِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَعْذَارِ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهِ لِظَاهِرِ الحَدِيثِ وَلِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُوَافَقَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنَ الْمَطَرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَتَّخِذُهُ عَادَةً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَأَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ، وَالشَّاشِيُّ الْكَبِيرُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ المُنْذِرِ، وَيُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ؛ فَلَمْ يُعَلِّلْهُ بِمَرَضٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.