عدد الزوار 103 التاريخ Monday, February 12, 2024 1:21 PM
فَأَجَابَ: الدُّفُّ: هُوَ الْمُغَشَّى مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَوْتَارٌ وَلاَ جَرَسٌ.
وَالأَصْلُ فِي الدُّفِّ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ المَعَازِفِ وَتَحْرِيمِهَا.
وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ عَلَى تَسْمِيَةِ الدُّفِّ مَزَامِرَ الشَّيْطَانِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَزَامِرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا).
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ، فِي أَيَّامِ مِنَى، تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: (دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى). رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَمُسْلِمٌ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَإِنَّ الدُّفَّ فِي العُرْسِ سُنَّةٌ يَنْبَغِي إِظْهَارُهَا، وَالأَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الجُمَحِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَصْلُ مَا بَيْنَ الحَرَامِ وَالحَلَالِ، الدُّفُّ وَالصَّوْتُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ، وَقَالَ: "فِي البَاب عَنْ عَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ". وَحَسَّنَهُ غَيْرُهُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي المَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ فِي هَذَا البَابِ»، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ. وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ.
وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ، وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: (دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَهْدَيْتُمُ الفَتَاةَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ، فَلَو بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَجْلَحَ مُخْتَلفٌ فِيهِ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ: يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: رَأَى ابْنُ عَبَّاسٍ رُؤْيَةً. انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي صَحِيح البُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِغَيْر هَذَا السِّيَاقِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابرٍ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى ... إلخ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُظْهَرَ النِّكاحُ، ويُضْرَبَ فِيهِ بِالدُّفِّ، حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ. وَقِيلَ لَهُ: مَا الدُّفُّ؟ قَالَ: هَذَا الدُّفُّ - يَعْنِي دُفَّ الأَعْرَابِ لَا الأَعَاجِمِ - قَالَ: لَا بَأْسَ بِالغَزَلِ فِي العُرْسِ بِمِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَنْصَارِ: "أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ، فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ، لَوْلَا الذَّهَبُ الأَحْمَرُ مَا حُلَّتْ بَوَادِيكُمْ، وَلَوْلَا الْحَبَّةُ السَّودَاءُ مَا سُرَّتْ عَذَارِيكُمْ". لَا عَلَى مَا يَصْنَعُ النَّاسُ اليَوْمَ.
وَقِيلَ لَهُ: مَا الصَّوْتُ؟ قَالَ: "يُتَكَلَّمُ ويُتَحَدَّثُ ويُظْهَرُ".
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ: "اتَّفَقَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى إِجَازَةِ الدُّفِّ وَهُوَ الْغِرْبَالُ فِي الْعُرْسِ".
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِبَعْضِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِجَوَارِي يَضْرِبْنِ بِدُفِّهِنَّ، وَيَتَغَنَّيْنَ، وَيَقُلْنَ: نَحْنُ جَوَارِي مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَأُحِبُّكُنَّ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ البُوصِيرِيُّ: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَبَعْضُهُ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِي البُخَارِيِّ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ".
وَعَنْ بُرَيْدَةَ، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا». فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَفِي البَابِ عَنْ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ.
وَعَنْ عَامِرٍ، قَالَ: شَهِدَ عِيَاضٌ الْأَشْعَرِيُّ عِيدًا بِالأَنْبَارِ، فَقَالَ: مَا لِي لَا أَرَاكُمْ تُقَلِّسُونَ كَمَا كَانَ يُقَلَّسُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَاد رِجَاله ثِقَات ... إلخ.
وَعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: مَا كَانَ شَيْءٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا وَقَدْ رَأَيْتُهُ، إِلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَلَّسُ لَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، قَالَ البُوصِيرِيُّ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: التَّقْلِيسُ: ضَرْبُ الدُّفِّ.
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ: التَّقْلِيسُ: أَنْ يَقْعُدَ الجَوَارِي وَالصِّبْيَانُ عَلَى أَفْوَاهِ الطُّرُقِ، يَلْعَبُونَ بِالطَّبْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِ ضَرْبِ الرِّجَالِ بِالدُّفُوفِ، وَاسْتِمَاعِهِمْ لَهَا فِي الأَعْرَاسِ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ شَيْخِهِ الْحَلِيمِيِّ - وَلَمْ يُخَالِفْهُ -: "أَنَّا إِذْ أَبَحْنَا الدُّفَّ فَإِنَّمَا نُبِيحُهُ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً، لأَنَّهُ فِي الأَصْلِ مِنْ أَعْمَالِهِنَّ، وَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَال بِالنِّسَاءِ، وَنَازَعَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ، وَالأَصْلُ اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ فِي الأَحْكَامِ، إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالْفُرْقَةِ، وَلَمْ يَرِدْ هُنَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ حَتَّى يُقَالَ: يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهِ".
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَدْ وَرَدَتِ الشَّرِيعَةُ بِالرُّخْصَةِ لِلنِّسَاءِ؛ لِضَعْفِ عُقُولِهِنَّ بِمَا حَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ التَّحَلِّي وَالتَّزَيُّنِ بِالحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلرِّجَالِ مِنْهُمُ اليَسِيرُ دُونَ الكَثِيرِ، فَكَذَلِكَ الغِنَاءُ يُرَخَّصُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ فِي أَيَّامِ السُّرُورِ، وَإِنْ سَمِعَ ذَلِكَ الرِّجَالُ تَبَعًا.
وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ لِلْغِنَاءِ لَا يُبَاحُ فِعْلُهُ لِلرِّجَالِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، هَذَا قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَكَذَا ذَكَرَ الحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَإِنَّمَا كَانَ يَضْرِبُ بِالدُّفُوفِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءُ، أَوْ مَنْ يُشَبَّهُ بِهِنَّ مِنَ المُخَنَّثِينَ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْيِ المُخَنَّثِينَ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنَ البُيُوتِ.
وَأَمَّا دُفُّ الأَعْرَابِ الخَالِي مِنَ الجَلَاجِلِ المُصَوِّتَةِ وَنَحْوِهَا؛ فَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُرَخَّصُ فِيهِ مُطْلَقًا لِلنِّسَاءِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَصَاحِبِ (المُغْنِي) وَغَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: إِنَّمَا يُرَخَّصُ فِيهِ فِي الأَعْرَاسِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ أَكْثَرِهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَتَّبِعُونَ الدُّفُوفَ مَعَ الجَوَارِي فِي الأَزِقَّةِ فَيُحْرِقُونَهَا.
وَقَالَ الحَسَنُ: لَيْسَ الدُّفُّ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ دُفُوفَ الأَعَاجِمِ المُصَلْصِلَةِ المُطْرِبَةِ.
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ذَلِكَ فَتَوَقَّفَ، وَكَأَنَّهُ حَصَلَ عِنْدَهُ تَرَدُّدٌ: هَلْ كَانَتْ كَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَ الدُّفُوفَ لِدُفُوفِ الأَعْرَابِ أَوْ لِدُفُوفِ الأَعَاجِمِ الَّتِي فِيهَا جَرَسٌ؟ وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ: الدُّفُّ فِيهِ جَرَسٌ؟ قَالَ: لَا.
وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَنْعِ الدُّفِّ المُصَلْصِلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الدُّفِّ: هُوَ مِنَ اللَّهْوِ الخَفِيفِ، فَإِذَا دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ، فَوَجَدَ فِيهَا دُفًّا فَلَا أَرَى أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَهُ القَاسِمُ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ – مِنْهُمْ -: يَرْجِعُ لِذَلِكَ. انْتَهَى.