عدد الزوار 84 التاريخ Monday, February 12, 2024 1:02 PM
فَأَجَابَ: قَالَ تَعَالَى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ...) إِلَى قَوْلِهِ: (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ).
فَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا - خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ - بِغَيْرِ حَقٍّ؛ إِمَّا بِتَفْرِيطٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ، وَإِمَّا بِتَعَدٍّ، وَذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الجُمْهُورُ التَّكْلِيفَ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَلِي:
١- إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَوَاصِلَيْنِ دُونَ انْقِطَاعٍ، إِلَّا لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ أَوْ قَدَرِيٍّ.
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ انْتَظَرَ حَتَّى يَسْتَطِيعَ، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى الإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ القَتْلِ لَيْسَ فِيهَا إِطْعَامٌ.
٢- دِيَةٌ لِوَرَثَةِ المَقْتُولِ، إِلَّا أَنْ يَتَنَازَلُوا عَنْهَا، وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا عَلَى العَاقِلَةِ وَهُمُ العَصَبَةُ، وَأَنَّهَا مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَقَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَجَاءَتِ الدِّيَةُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مُفَصَّلَةً، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ امْرَأَةً؛ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ، وَقَدْ حُكِيَ إِجْمَاعًا، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: "دِيَةُ المَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ، أَوْ قِيمَتُهَا؛ فَقَدْ قَوَّمَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَقَدْ حُسِّنَ. وَرُوِيَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
وَإِنْ كَانَ المَقْتُولُ جَنِينًا؛ فَإِنْ أَلْقَتْهُ أُمُّهُ مَيِّتًا فَفِيهِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ؛ لِحَدِيثِ المُغِيرَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، أَوْ قِيمَتُهَا، وَتَتَحَمَّلُهَا العَاقِلَةُ، وَاخْتُلِفَ فِي إِيجَابِ الكَفَّارَةِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَعَلَيْهِ الكَفَّارَةُ.
وَإِنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي قَتلِ شَخْصٍ خَطَأً؛ فَعَلَيْهِمَا دِيَةُ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ، كَأَنْ يَصْطَدِمَ اثْنَانِ بِسَيَّارَتَيْهِمَا وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ، وَيَمُوتُ رَجُلٌ بَيْنَهُمَا، فَعَلَيْهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَفَّارَتَانِ، وَلَوْ مَاتَ شَخْصَانِ فَعَلَيْهِمَا دِيَتَانِ وَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، قَالُوا: لِأَنَّ الكَفَّارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ، إِلَّا أَنَّ لِأَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَجْهًا؛ أَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي الكَفَّارَةِ.
أَمَّا الدِّيَةُ فَتَتَبَعَّضُ؛ فَكُلٌّ يَتَحَمَّلُ مِنَ الدِّيَةِ بِقَدْرِ نِسْبَةِ الخَطَأِ الَّذِي أَخْطَأَهُ.
وَجَاءَ فِي فَتْوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: "مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً؛ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فِصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، كَانَ مَعْذُورًا مَعْفُوًّا عَنْهُ؛ حَتَّى يَجِدَ رَقَبَةً، أَوْ يَسْتَطِيعَ الصِّيَامَ فِي يَوْمٍ مَا مِنَ الدَّهْرِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى". انْتَهَى.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الجُمْهُورِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.