عدد الزوار 98 التاريخ Friday, December 15, 2023 12:18 PM
فأجاب: الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِاللَّفْظِ، فَلَوْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ لَمْ يَقَعْ؛ لِمَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَجَاوَزَ اللَّهُ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، "وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ". انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: "وَإِنْ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، لَمْ يَقَعْ".
وَلَفْظُ الطَّلَاقِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: صَرِيحٍ، وَكِنَايَةٍ.
فَالقِسْمُ الأَوَّلُ: صَرِيحُ الطَّلَاقِ، فَإِذَا تَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَزِمَهُ، قَصَدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ سَبْقُ لِسَانٍ وَنَحْوُهُ، فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ؛ فَهَذَا اللَّفْظُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَا خِلَافٍ.
القِسْمُ الثَّانِي: كِنَايَةُ الطَّلَاقِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ، أَوِ الْحَقِي إِلَى أَهْلِكِ، أَوْ يَدْعُو بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ.
وَهَذَا القِسْمُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِاللَّفْظِ الطَّلَاقَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا ثَلَاثٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتَّةَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً؟" فَقَالَ رُكَانَةُ: آللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً. فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ: "مَا أَشْرَفَ هَذَا الحَدِيثَ". وَلَكِنْ ضَعَّفَ الإِمَامُ أَحْمَدُ إِسْنَادَهُ.
وَبَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ اشْتَرَطَ فِي القِسْمِ الثَّانِي القَرِينَةَ لَا النِّيَّةَ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ نِيَّةَ الطَّلَاقِ شَرْطٌ.
وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الكِنَايَةِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، إِمَّا شَرْعًا أَوْ عُرْفًا، أَمَّا لَوْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ أَصْلًا فَلَا يَقَعُ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ، كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ مَا تَرَبَّيْتِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَإِنْ قَصَدَهُ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ، وَيَأْتِيَ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَيْهِ، فَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ".