عدد الزوار 58 التاريخ Friday, December 15, 2023 12:08 PM
فأجاب: أَقَلُّ أَحْوَالِ رَدِّ الطِّيبِ الكَرَاهَةُ، وَالأَصْلُ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ إِلَّا لِصَارِفٍ.
وَهَذَا إِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ بِذَلِكَ أَذًى؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ رَيْحَانٌ فَلَا يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمِلِ، طَيِّبُ الرِّيحِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
جَاءَ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: وَأَمَّا الرَّيْحَانُ، فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: هُوَ كُلُّ نَبْتٍ مَشْمُومٍ طَيِّبِ الرِّيحِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الطِّيبَ كُلَّهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: "مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ". وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّ الطِّيبَ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ رَدِّ الرَّيْحَانِ لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ إِلَّا لِعُذْرٍ. انْتَهَى.
قَالَ البُخَارِيُّ: بَابُ مَا لَا يُرَدُّ مِنَ الهَدِيَّةِ
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا، قَالَ: «كَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ».
قَالَ: وَزَعَمَ أَنَسٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ».
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: (قَوْلُهُ: بَابُ مَا لَا يُرَدُّ مِنَ الْهَدِيَّةِ)، كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: (ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ: الْوَسَائِدُ، وَالدُّهْنُ، وَاللَّبَنُ)، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: يَعْنِي بِالدُّهْنِ الطِّيبَ. وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ، وَاكْتَفَى بِحَدِيثِ أَنَسٍ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُلَازِمٌ لِمُنَاجَاةِ الْمَلَائِكَةِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ لَا يَأْكُلُ الثُّومَ وَنَحْوَهُ، قُلْتُ: لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، لَكَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَنَسًا اقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ رَدِّهِ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ، مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: (مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ؛ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْحِمْلِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ)، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَكِنْ قَالَ: "رَيْحَانٌ" بَدَلَ "طِيبٍ"، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَثْبَتُ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَسَبْعَةَ أَنْفُسٍ مَعَهُ، رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ الطِّيبِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ.
وَقَوْلُهُ: عَزْرَةُ هُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ، فَاعِلُ قَالَ هُوَ عَزْرَةُ، وَالضَّمِيرُ لِثُمَامَةَ، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِأَنَسٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ثُمَامَةَ فَنَاوَلَنِي طِيبًا، قُلْتُ: قَدْ تَطَيَّبْتُ، فَقَالَ: كَانَ أَنَسٌ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ.