مَصِيرُ الأَطْفَالِ يَوْمَ القِيَامَةِ

فأجاب: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَصِيرَ أَطْفَالِ المُؤْمِنِينَ فِي الجَنَّةِ، ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّوَوِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ. 
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَعْلَمُ - مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ يَشُكُّ - قَالَ: «ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتٍ، وَثَّقَهُ الْمَدِينِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي أَطْفَالِ المُشْرِكِينَ عَلَى أَقْوَالٍ؛ مِنْهَا:
أَنَّهُمْ فِي الجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى الفِطْرَةِ، وَلِحَدِيثِ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ... إِلَى قَوْلِهِ: فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ، لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ، قَالَ: - وَذَكَرَ الحَدِيثَ - أَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَوْسَطِ، وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَثَّقَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ: مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِجٍ وَهُوَ ثِقَةٌ. 
وَلَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ؛ لِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ: إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: "لَا". قَالَ: قُلْنَا: فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَهَا، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: "الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ لِيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِنَحْوِهِ. 
وَحَسَّنَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَابْنُ كَثِيرٍ.
وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمَا فِي النَّارِ"، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهَا، قَالَ: "لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا أَبْغَضْتِهِمَا"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ"، قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور: ٢١]». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَالقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَرْجَحُ الأَقْوَالِ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، عِلْمًا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا)، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "الغُلَامُ الَّذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا". رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». 
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَرْبَعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِالْمَوْلُودِ، وَبِالْمَعْتُوهِ، وَبِمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، وَبِالشَّيْخِ الْفَانِي، كُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ: ابْرُزْ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمْ، ادْخُلُوا هَذِهِ، فَيَقُولُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ: يَا رَبِّ أَيْنَ نَدْخُلُهَا وَمِنْهَا كُنَّا نَفِرُّ؟ قَالَ: وَمَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ يَمْضِي فَيَقْتَحِمُ فِيهَا مُسْرِعًا، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: أَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدُّ تَكْذِيبًا وَمَعْصِيَةً، فَيُدْخِلُ هَؤُلَاءِ الْجَنَّةَ وَهَؤُلَاءِ النَّارَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِنَحْوِهِ، وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَبِي يَعْلَى رِجَالُ الصَّحِيحِ.
وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَوَاهُ البَزَّارُ، ومُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ.
وَعَلَى هَذَا القَوْلِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَرَجَّحَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُقْتَضَى نُصُوصِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ القَيِّمِ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَذَكَرَا أَنَّ هَذَا القَوْلَ يَجْمَعُ بَيْنَ الأَدِلَّةِ كُلِّهَا.
وَقَدْ تَوَقَّفَ آخَرُونَ فِي ذَرَارِيِّ المُشْرِكِينَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.