عدد الزوار 69 التاريخ Tuesday, October 24, 2023 3:26 PM
فأجاب: قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا).
هَذَانِ وَاجِبَانِ فِي قَتْلِ الخَطَأِ؛ أَحَدُهُمَا: الكَفَّارَةُ، وَهِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، كَانَ مَعْذُورًا حَتَّى يَجِدَ رَقَبَةً، أَوْ يَسْتَطِيعَ الصِّيَامَ فِي يَوْمٍ مَا مِنَ الدَّهْرِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ؛ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ الصَّومُ وَفَرَّطَ حَتَّى مَاتَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ.
وَالثَّانِي: الدِّيَةُ، إِلَّا أَنْ يَتَنَازَلُوا عَنْهَا، وَتَجِبُ أَخْمَاسًا، وَقِيلَ أَرْبَاعًا؛ فعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، قَالَ: «دِيَةُ الْخَطَأِ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ، عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٌ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ البَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا: "فِي الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ"،
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "فِي الْخَطَإِ أَرْبَاعًا" فَذَكَرَهُ.
وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ... وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَقَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ الْجَارُودِ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ مَوْصُولًا، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ؛ مِنْهُمْ: أَحْمَدُ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا بَسْطَ الْكَلَام عَلَيْهِ وَاخْتِلَافَ الْحُفَّاظِ فِيهِ فِي بَابِ قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ. انْتَهَى.
فَتُقَدَّرُ الدِّيَةُ بِحَسَبِ أَثْمَانِ الإِبِلِ، أَوْ قِيمَةِ الأَلْفِ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَقُدِّرَتْ بِـ أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ جِرَامًا.
وَهَذِهِ الدِّيَةُ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ القَاتِلِ، لَا فِي مَالِهِ، بِالإِجْمَاعِ؛ فَفِيهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ.
وَعَاقِلَةُ الرَّجُلِ: قَرَابَاتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَهُمْ عَصَبَتُهُ وَعَشِيرَتُهُ، فَيُبْدَأُ بِفَخِذِهِ الْأَدْنَى، فَإِنْ عَجَزُوا ضُمَّ إلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، الْمُكَلَّفُ الذَّكَرُ الْحُرُّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ ثُمَّ السَّبَبِ، ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَرَجَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ مَذْهَبَ الحَنَفِيَّةِ وَأَحَدَ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهَا إِنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ المَالِ وَجَبَتْ عَلَى القَاتِلِ؛ حَتَّى لَا يُهْدَرَ دَمُ المَقْتُولِ.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ غُلَامًا لِأُنَاسٍ فُقَرَاءَ قَطَعَ أُذُنَ غُلَامٍ لِأُنَاسٍ أَغْنِيَاءَ، فَأَتَى أَهْلُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّا أُنَاسٌ فُقَرَاءُ، فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ الْحَافِظُ إسْنَادَهُ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ المَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَفِقْهُهُ أَنَّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِفَقْرِهِمْ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ.