عدد الزوار 139 التاريخ Tuesday, February 21, 2023 6:49 PM
فأجاب: قَالَ اللهُ تَعَالَى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ عَشْرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الحَقِّ، فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ العُوفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) يَقُولُ: كَانُوا كُفَّارًا، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَالقَوْلُ الأَوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَمَعْنًى.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
وَعَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سُئِلَ الحَسَنُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ: النَّاسُ كُلُّهُمْ مُخْتَلِفُونَ عَلَى أَدْيَانٍ شَتَّى، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، فَمَنْ رَحِمَ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ. فَقُلْتُ لَهُ: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)؟ فَقَالَ: خَلَقَ هَؤُلَاءِ لِجَنَّتِهِ، وَهَؤُلَاءِ لِنَارِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِرَحْمَتِهِ، وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِعَذَابِهِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: "وَلَا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ عَلَى أَدْيَانٍ وَمِلَلٍ وَأَهْوَاءٍ شَتَّى، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، فَآمَنَ بِاللهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ".
وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي، وَكُنْتُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟). كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ ... الحديث). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَثَبَتَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِينَا، فَقَالَ: (أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ افْتَرَقُوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة) رواه أبو داود وغيره.
وثبت عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».
وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الأُمَّةِ خَبَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَظَهَرَتِ الفِرَقُ الكَثِيرَةُ، وَتَفَرَّعَ عَنْهَا فِرَقٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ، وَأُصُولُهَا: الخَوَارِجُ، وَالرَّوَافِضُ، وَالقَدَرِيَّةُ، وَالمُرْجِئَةُ، وَالجَهْمِيَّةُ، وَالجَبْرِيَّةُ.
وَأَسْبَابُ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ الابْتِدَاعُ وَعَدَمُ الاتِّبَاعِ، وَأَبْوَابُ البِدَعِ الغُلُوُّ، وَالتَّقْصِيرُ فِي فَهْمِ نُصُوصِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالوَعْدِ وَالوَعِيدِ، وَالقَدَرِ، وَالإِيمَانِ.
وَكُلَّمَا بَعُدَ العَهْدُ عَنْ زَمَنِ النُّبُوَّةِ زَادَ الضَّلَالُ وَالإِضْلَالُ، وَالغُلُوُّ وَالكُفْرُ، وَلَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، وَكَثِيرًا مَا تَنْشَأُ بِدْعَةٌ مُقَابِلَ بِدْعَةٍ، وَفِرْقَةٌ مُقَابِلَ فِرْقَةٍ مُضَادَّةٍ لَهَا.
وَحَفِظَ اللهُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، فَتَمَيَّزُوا بِالعِلْمِ وَالاتِّبَاعِ وَالعَدْلِ وَالوَسَطِيَّةِ بَيْنَ الفِرَقِ الغَالِيَةِ وَالجَافِيَةِ.
وَقَدْ ظَهَرَتْ شَرَارَةُ الخَوَارِجِ بِاعْتِرَاضِ عَبْدِ اللهِ بْنِ ذِي الخُوَيصِرةِ التَّمِيمِيِّ، حَيْثُ قَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ: (وَيْلَكَ! مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟! قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ... الحَدِيث)، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَقَالَ: "أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ".
وَقَدْ خَرَجُوا عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَتَلُوهُ، ثُمَّ خَرَجُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَنَشَأَتِ الشِّيعَةُ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَشَرَارَةُ غُلَاتِهِمُ انْطَلَقَتْ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ اليَهُودِيِّ (ت: ٧٠ هـ) الَّذِي يُقَالُ: إِنَّ عَلِيًّا حَرَقَهُ بِالنَّارِ.
وَقَابَلَ غُلُوَّ الشِّيعَةِ فِي عَدَاوَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ آلِ البَيْتِ غُلُوُّ النَّوَاصِبِ الخَوَارِجِ الَّذِينَ نَصَبُوا العَدَاوَةَ لِعَلِيٍّ وَلِآلِ البَيْتِ.
وَلَفْظُ الرَّافِضَةِ إِنَّمَا ظَهَرَ لَمَّا رَفَضُوا زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ت: ١٢٢ هـ)؛ فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِمَا، رَفَضَهُ قَوْمٌ، فَقَالَ لَهُمْ: رَفَضْتُمُونِي، فَسُمُّوا رَافِضَةً، وَسُمِّيَ مَنْ لَمْ يَرْفُضْهُ مِنَ الشِّيعَةِ زَيْدِيًّا.
وَظَهَرَتِ القَدَرِيَّةُ فِي آخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى يَدِ مَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ: (ق: ٨٠ هـ) قَتَلَهُ الحَجَّاجُ، وَصَلَبَهُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِدِمَشْقَ. وَغَيْلَانُ الدِّمَشْقِيُّ (ق: ١٠٥ هـ) قَتَلَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ وَصَلَبَهُ. وَالجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ (قتل قبل: ١٢٥هـ) رَأْسُ المُعَطِّلَةِ قَتَلَهُ خَالِدٌ القَسْرِيُّ.
وَالجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ (ق: ١٢٨ هـ) رَأْسُ الجَهْمِيَّةِ الجَبْرِيَّةِ، وَتِلْمِيذُ الجَعْدِ قَتَلَهُ سَلْمُ بْنُ أَحْوَزَ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَنِ ابْتَدَعَهُ - أَيِ القَوْلَ فِي القَدَرِ - بِالْعِرَاقِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ: سِيْسَوِيْهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمَجُوسِ، وَتَلَقَّاهُ عَنْهُ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: "أَوَّلُ مَنْ نَطَقَ فِي القَدَرِ سَوْسَنٌ بِالعِرَاقِ، كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، فَأَخَذَ عَنْهُ مَعْبَدٌ، وَأَخَذَ غَيْلَانُ القَدَرِيُّ عَنْ مَعْبَدٍ".
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "الخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ حَدَثُوا فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَالمُرْجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ حَدَثُوا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ".
قَالَ: "ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَكَابِرِ التَّابِعينَ ظَهَرَتِ الجَهْمِيَّةُ، ثُمَّ لَمَّا عُرِّبَتْ كُتُبُ الفُرْسِ وَالرُّومِ ظَهَرَ التَّشبُّهُ بِفَارِسَ وَالرُّومِ، وَكُتُبُ الهِنْدِ انْتَقَلَتْ بِتَوَسُّطِ الفُرْسِ إِلَى المُسْلِمِينَ، وَكُتُبُ اليُونَانِ انْتَقَلَتْ بِتَوَسُّطِ الرُّومِ إِلَى المُسْلِمِينَ، فَظَهَرَتِ المَلَاحِدَةُ البَاطِنِيَّةُ الَّذِينَ رَكَّبُوا مَذْهَبَهُمْ مِنْ قَوْلِ المَجُوسِ وَاليُونَانِ، مَعَ مَا أَظْهَرُوهُ مِنَ التَّشيُّعِ".
وَقَالَ: "أَوَّلُ مَا ظَهَرَ عِلْمُ الكَلَامِ فِي الإِسْلَامِ بَعْدَ المِائَةِ الأُولَى، مِنْ جِهَةِ الجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ وَالجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ".
وَتَبَنَّى ذِرُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الهَمَدَانِيُّ (ت: 99هـ) الإِرْجَاءَ.
وَنَشَأَ مَذْهَبُ المُعْتَزِلَةِ عَلَى يَدِ وَاصِلِ بْنِ عَطَاءٍ (ت: 131هـ) حِينَ اعْتَزَلَ مَجْلِسَ شَيْخِهِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ (ت: ١١٠ هـ) لِيُقَرِّرَ بِدْعَتَهُ فِي مَصِيرِ مُرْتَكِبِ الكَبِيرَةِ، وَدَخَلَ مَعَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ (ت: ١٤٤ هـ).
وَظَهَرَ التَّصَوُّفُ فِي القَرْنِ الثَّانِي، وَأَخَذَ فِي الانْحِرَافِ الشَّدِيدِ بِالقَرْنِ الثَّالِثِ.
وَأَسَّسَ ابْنُ كُلَّابٍ (ت 243 هـ) مَذْهَبَ الأَشَاعِرَةِ، وَأَبُو مَنْصُورٍ المَاتُرِيدِيُّ (ت: 333هـ)
مَذْهَبَ المَاتُرِيدِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: تَحْتَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ... قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ: وَقَدْ أَخَذَ الجَعْدُ بِدْعَتَهُ عَنْ بَيَانِ بْنِ سَمْعَانَ، وَأَخَذَهَا بَيَانٌ عَنْ طَالُوتِ ابْنِ أُخْتِ لَبِيدِ بْنِ أَعْصَمَ، زَوْجِ ابْنَتِهِ، وَأَخَذَهَا لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ السَّاحِرُ الَّذِي سَحَرَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَهُودِيٍّ بِاليَمَنِ، وَأَخَذَ عَنِ الْجَعْدِ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ الْخَزَرِيُّ، وَقِيلَ التِّرْمِذِيُّ .. ثُمَّ قُتِلَ الْجَهْمُ بِأَصْبَهَانَ، وَقِيلَ بِمَرْوَ، قَتَلَهُ نَائِبُهَا سَلْمُ بْنُ أَحْوَزَ رَحِمَهُ اللهُ وَجَزَاهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَأَخَذَ بِشْرُ الْمَرِيسِيُّ عَنِ الْجَهْمِ، وَأَخَذَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ عَنْ بِشْرٍ، وَأَمَّا الجَعْدُ فَإِنَّهُ أَقَامَ بِدِمَشْقَ حَتَّى أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَتَطَلَّبَهُ بَنُو أُمَيَّةَ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَسَكَنَ الكُوفَةَ، فَلَقِيَهُ فِيهَا الجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فَتَقَلَّدَ هَذَا القَوْلَ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ القَسْرِيَّ قَتَلَ الجَعْدَ يَوْمَ عِيدِ الْأَضْحَى بِالْكُوفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ خَالِدًا خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ تِلْكَ: أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا يَقْبَلِ اللهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا، ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ فِي أَصْلِ المِنْبَرِ. وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ؛ مِنْهُمُ البُخَارِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّارِيخِ. انْتَهَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.