عدد الزوار 148 التاريخ Wednesday, July 27, 2022 7:34 PM
فأجاب: اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَرَدُّوا عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهَا، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَقَالَهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهَا، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي مَعْنَاهَا، وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ الأَقْوَالَ فِي مَعْنَاهَا.
وَالرَّاجِحُ: القَوْلُ الأَوَّلُ، بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَعْنًى، وَلَكِنْ لَهَا حِكْمَةٌ وَمَغْزًى.
وَمَجْمُوعُ الْحُرُوفِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ بِحَذْفِ الْمُكَرَّرِ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ – ا ل م ص ر ك هـ ي ع ط س ح ق ن - يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: نَصٌّ حَكِيمٌ قَاطِعٌ لَهُ سِرٌّ. وَهِيَ نِصْفُ الْحُرُوفِ عَدَدًا، وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا أَشْرَفُ مِنَ الْمَتْرُوكِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ صِنَاعَةِ التَّصْرِيفِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذِهِ الْحُرُوفُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَصْنَافِ أَجْنَاسِ الْحُرُوفِ، يَعْنِي مِنَ الْمَهْمُوسَةِ وَالْمَجْهُورَةِ، وَمِنَ الرِّخْوَةِ وَالشَّدِيدَةِ، وَمِنَ الْمُطْبَقَةِ وَالْمَفْتُوحَةِ، وَمِنَ الْمُسْتَعْلِيَةِ وَالْمُنْخَفِضَةِ، وَمِنْ حُرُوفِ الْقَلْقَلَةِ. وَقَدْ سَرَدَهَا مُفَصَّلَةً، ثُمَّ قَالَ: فَسُبْحَانَ الَّذِي دَقَّتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حِكْمَتُهُ.
وَالرَّاجِحُ فِي الْحِكْمَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إِيرَادَ هَذِهِ الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ؛ أهمها: أَنَّهَا ذُكِرَتْ بَيَانًا لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْخَلْقَ عَاجِزُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ، هَذَا مَعَ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي يَتَخَاطَبُونَ بِهَا، وَقَدْ حَكَى هَذَا المَذْهَبَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ المُبَرِّدِ وَجَمْعٍ مِنَ المُحَقِّقِينَ، وَحَكَى القُرْطُبِيُّ عَنِ الفَرَّاءِ وَقُطْرُبٍ نَحْوَ هَذَا، وَقَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ وَنَصَرَهُ أَتَمَّ نَصْرٍ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلَّامَةُ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَشَيْخُنَا الحَافِظُ المُجْتَهِدُ أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيُّ، وَحَكَاهُ لِي عَنِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ ... (قُلْتُ): وَلِهَذَا كُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا الِانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ، وَبَيَانُ إِعْجَازِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ سُورَةً، وَلِهَذَا يَقُولُ تَعَالَى: (الم * ذَلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ)، (الم * اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)، (المص * كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ)، (الر * كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)، (الم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)، (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)، (حم * عسق * كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.