عدد الزوار 158 التاريخ Friday, July 8, 2022 11:04 AM
فأجاب: يَثْبُتُ دُخُولُ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ بِرُؤْيَةِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ لِلْهِلَالِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ الهِلَالُ أَوْ حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ، فَيُكَمَّلُ شَهْرُ ذِي القَعْدَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلَا مَانِعَ مِنَ الاحْتِيَاطِ مَعَ الاشْتِبَاهِ المُعْتَبَرِ، بِأَنْ يُصَامَ الثَّامِنُ الَّذِي هُوَ التَّاسِعُ حَسَبَ الاشْتِبَاهِ، وَالَّذِي يَلِيهِ لِيُصِيبَ التَّاسِعَ، إِذْ صِيَامُ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَكِنَّ الوَقْفَةَ بِعَرَفَةَ وَصَلَاةَ العِيدِ وَالذَّبْحَ يَكُونُ مَعَ إِمَامِ المُسْلِمِينَ.
فَعَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَرَجُلٌ مَعَهُ عَلَى عَائِشَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا جَارِيَةُ، خُوضِي لَهُمَا سَوِيقًا وَحَلِّيهِ، فَلَوْلَا أَنِّي صَائِمَةٌ لَذُقْتُهُ، قَالَا: أَتَصُومِينَ يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ وَلَا تَدْرِينَ لَعَلَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا يَوْمُ النَّحْرِ إِذَا نَحَرَ الإِمَامُ وَمُعْظَمُ النَّاسِ، وَالفِطْرُ إِذَا أَفْطَرَ الإِمَامُ وَمُعْظَمُ النَّاسِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَقُلْنَا لَهَا: أَتَصُومِينَ وَالنَّاسُ يَزْعُمُونَ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ النَّحْرِ؟ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ رَفْعًا وَوَقْفًا، وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ، وَقَالَ: "هَذَا الأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، إِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَائِشَةَ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِهَا: أَنَّ الأَصْلَ فِي هَذَا اليَوْمِ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ، لِأَنَّ اليَوْمَ المَشْكُوكَ فِيهِ، هَلْ هُوَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ أَوْ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، الأَصْلُ فِيهِ: أَنَّهُ مِنْ ذِي القَعْدَةِ، فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ".
وَكَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَصُومُ يَوْمَ الشَّكِّ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا، وَكَذَلِكَ الثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ مِنْ ذِي الحِجَّةِ مَعَ الشَّكِّ احْتِيَاطًا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُ مَعَ اشْتِبَاهِ الأَشْهُرِ فِي شَهْرِ المُحَرَّمِ: يُصَامُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا؛ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ صِيَامُ يَوْمِ التَّاسِعِ وَالعَاشِرِ، وَوَافَقَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللهُ - عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّلُ صِيَامَ التَّاسِعِ مَعَ العَاشِرِ بِالاحْتِيَاطِ أَيْضًا؛ خَشْيَةَ فَوَاتِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا أَنَّ الاحْتِيَاطَ يَنْهَضُ إِلَى تَحْرِيمِ صِيَامِ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ لِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فَكَلَّا؛ لِأَنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ ذِي القَعْدَةِ وَعَدَمُ اسْتِهْلَالِ ذِي الحِجَّةِ، فَلَا يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ التَّاسِعِ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ، كَمَا يَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي اسْتِهْلَالِ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ رَمَضَانَ. وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي صَوْمِ هَذَا اليَوْمِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ العُلَمَاءِ. قَالَ: لِأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ العَاشِرِ، كَمَا أَنَّهُمْ لَوْ شَكُّوا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ: هَلْ طَلَعَ الهِلَالُ أَمْ لَمْ يَطْلُعْ؟ فَإِنَّهُمْ يَصُومُونَ ذَلِكَ اليَوْمَ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا يَوْمُ الشَّكِّ الَّذِي رُوِيَتْ فِيهِ الكَرَاهَةُ الشَّكُّ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الأَصْلَ بَقَاءُ شَعْبَانَ. انْتَهَى.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ، وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ بِدُونِ ذِكْرِ "الصَّوْمِ"، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ.
وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَصَحَّحَهُ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَعَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَوْمُ عَرَفَةَ اليَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ). قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: مُرْسَلٌ حَسَنٌ، احْتَجَّ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ النَّاسَ إِذَا وَقَفُوا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ حَجُّهُمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ، وَالفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ، وَالجُمُعَةُ يَوْمَ يُجَمِّعُونَ. خَرَّجَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
وَالحَدِيثَانِ وَأَثَرُ عَائِشَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ وَالعِيدَ مَعَ الإِمَامِ وَجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي دُخُولِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ مَنْ رَآهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِفَ أَوْ يُضَحِّيَ وَحْدَهُ، أَمَّا أَنْ يَصُومَ اليَوْمَ الثَّامِنَ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ حَسَبَ رُؤْيَتِهِ، وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَلِيلًا، وَيَصُومَ التَّاسِعَ، وَيَقِفَ مَعَ الإِمَامِ وَجَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ: فَلَا حَرَجَ.
وَخَرَّجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: شَهِدَ نَفَرٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ ذِي الحِجَّةِ، فَذَهَبَ بِهِمْ سَالِمٌ إِلَى وَالِي الحَاجِّ هُوَ ابْنُ هِشَامٍ، فَأَبَى أَنْ يُجِيزَ شَهَادَتَهُمْ، فَوَقَفَ سَالِمٌ بِعَرَفَةَ لِوَقْتِ شَهَادَتِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي وَقَفَ مَعَ النَّاسِ.
وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "أَنَّ الشَّهْرَ: مَا اشْتُهِرَ وَظَهَرَ، وَالهِلَالَ: مَا اسْتُهِلَّ بِهِ وَأُعْلِنَ دُونَ مَا كَانَ فِي السَّمَاءِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا اشْتِهَارٍ، فَإِنَّ اسْمَ الشَّهْرِ وَالهِلَالِ لَا يَصْدُقُ بِدُونِ اشْتِهَارِ رُؤْيَتِهِ، وَتَرْتِيبِ الفِطْرِ وَالنُّسُكِ عَلَيْهِ، فَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِهِلَالٍ وَلَا شَهْرٍ".
وَلِابْنِ رَجَبٍ رِسَالَةٌ قَيِّمَةٌ فِي أَحْكَامِ الاخْتِلَافِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الحِجَّةِ، يَحْسُنُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، وَالاسْتِفَادَةُ مِنْهَا.
وَاللهُ أَعْلَمُ.