عدد الزوار 154 التاريخ Wednesday, June 29, 2022 11:17 AM
فأجاب: اللَّعْنُ حَرَامٌ، إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ، كَلَعْنِ غَيْرِ المُعَيَّنِ مِمَّنْ لَعَنَهُ اللهُ، أَوْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِثْلَ لَعْنِ آكِلِ الرِّبَا.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَكُونُ اللَّعَانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ - وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ -، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «لَا تَلْعَنِ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ - وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ -، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا، صَعَدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الأَرْضِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِذلِكَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ حُسِّنَ.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الحُصَيْنِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا؛ فَإنَّهَا مَلْعُونَةٌ». قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أحَدٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ القَوْمِ، إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَضَايَقَ بِهِمُ الجَبَلُ، فَقَالَتْ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَلَعْنُ الإِنْسَانِ لِشَيْءٍ يَمْلِكُهُ، مِنْ حَيَوَانٍ، أَوْ جَمَادٍ، لَا يَجُوزُ، وَمَنْ صَدَرَ مِنْهُ اللَّعْنُ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالاسْتِغْفَارُ، دُونَ إِضَاعَةِ المَالِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مُلْكِهِ الشَّيْءُ الَّذِي لَعَنَهُ. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ يَدُلُّ عَلَى زَجْرِ وَتَأْدِيبِ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ أَهْلًا لِلَّعْنِ، وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ، وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ بَلِ المُرَادُ النَّهْيُ أَنْ تُصَاحِبَهُمْ تِلْكَ النَّاقَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِهَا وَذَبْحِهَا وَرُكُوبِهَا فِي غَيْرِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا سِوَاهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ جائِزٌ لَا مَنْعَ مِنْهُ، إِلَّا مِنْ مُصَاحَبَةِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا؛ لِأَنَّ هذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كُلَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً، فَمُنِعَ بَعْضٌ مِنْهَا، فَبَقِيَ البَاقِي عَلَى مَا كَانَ، وَاللهُ أَعْلَمُ".
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهَا ... وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ مَنْ لَعَنْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ، زَالَ مُلْكُهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ".