عدد الزوار 156 التاريخ Thursday, March 17, 2022 5:53 AM
(374)
هَلْ هَذَا الحَدِيثُ ثَابِتٌ أَمْ غَيْرُ ثَابِتٍ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْعِظَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ ... إلخ". ثَابِتٌ أَمْ غَيْرُ ثَابِتٍ؟
فأجاب: الحَدِيثُ ثَابِتٌ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الوَلِيدِ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وَقَدْ رَوَى ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَ هَذَا، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ. «رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ».
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ. «رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ».
وَزَعَمَ القَطَّانُ الفَاسِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِجَهَالَةِ حَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ.
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ "الثِّقَاتِ" عَلَى قَاعِدَتِهِ: "مَنْ لَمْ يُعْلَمْ بِجَرْحٍ فَهُوَ عَدْلٌ".
وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ الكَلَاعِيُّ، رَوَى لَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا فِي طَاعَةِ الأَمِيرِ.
أَخْرَجَ الحَاكِمُ حَدِيثَهُ، وَقَالَ: كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ ابْنُ القَطَّانِ: لَا يُعْرَفُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ: هُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ الشَّامِيِّينَ، قَالَ: وَلَمْ يَتْرُكْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ جِهَةِ إِنْكَارٍ مِنْهُمَا لَهُ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِهِ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ، وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، وَرُوِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَوَهَّمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ غَيْرُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ الْمُخَرَّجُ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ». وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: صَحِيحٌ لَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ بِهِ.
وَقَالَ: «هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً، وَقَدْ تَابَعَ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ».
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ بِهِ.
قَالَ الحَاكِمُ: فَكَانَ أَسَدُ بْنُ وَدَاعَةَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُ مَا قِيدَ انْقَادَ». وَقَدْ تَابَعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرٍو عَلَى رِوَايَتِهِ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الشَّامِ، مِنْهُمْ حُجْرُ بْنُ حُجْرٍ الْكَلَاعِيُّ. سَكَتَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ فِي التَّلْخِيصِ.
وَرَوَاهُ الحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ، وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ الْكَلَاعِيُّ، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَذَكَرَهُ.
وَمِنْهُمْ: يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ الْقُرَشِيُّ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْمُطَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ السُّلَمِيَّ، وَذَكَرَهُ.
وَمِنْهُمْ: مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيُّ، وَلَيْسَ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ فَتَرَكْتُهُ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضَ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادِي وَكُتِبَ فِيهِ، كَمَا قَالَ إِمَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَمَّا طَلَبَهُ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، ثُمَّ عَادَ الْحَدِيثُ إِلَى شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ فَتَرَكَهُ، ثُمَّ قَالَ شُعْبَةُ: لَأَنْ يَصِحَّ لِي مِثْلُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ وَالِدِي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ". انتهى.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِهِمَا، فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، وَلَا لِحُجْرٍ الْكَلَاعِيِّ شَيْئًا، وَلَيْسَا مِمَّنِ اشْتُهِرَا بِالْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ.
وَأَيْضًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى خَالِدِ بْنِ مِعْدَانَ، فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ عَنْهُ، عَنْ أَبِي بِلَالٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ، وَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، عَنِ الْعِرْبَاضِ، خَرَّجَهُ مِنْ طَرِيقِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ فِي حَدِيثِهِ: «فَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالَكٌ»، وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: «فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيْدَ انْقَادَ».
وَقَدْ أَنْكَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: هِيَ مُدْرَجَةٌ فِيهِ، وَلَيْسَتْ مِنْهُ، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ خَرَّجَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: وَكَانَ أَسَدُ بْنُ وَدَاعَةَ يَزِيدُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيْدَ انْقَادَ».
وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ، سَمِعْتُ الْعِرْبَاضَ فَذَكَرَهُ، وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ مُتَّصِلٌ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَشْهُورُونَ، وَقَدْ صُرِّحَ فِيهِ بِالسَّمَاعِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ" أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي الْمُطَاعِ سَمِعَ مِنَ الْعِرْبَاضِ اعْتِمَادًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إِلَّا أَنَّ حُفَّاظَ أَهْلِ الشَّامِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: يَحْيَى بْنُ أَبِي الْمُطَاعِ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْعِرْبَاضِ، وَلَمْ يَلْقَهُ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَلَطٌ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَحَكَاهُ عَنْ دُحَيْمٍ، وَهَؤُلَاءِ أَعْرَفُ بِشُيُوخِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَالْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقَعُ لَهُ فِي تَارِيخِهِ أَوْهَامٌ فِي أَخْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْعِرْبَاضِ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلَّا أَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ لَا يَثْبُتُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.