عدد الزوار 156 التاريخ Wednesday, March 16, 2022 1:25 PM
(372)
مَا دَرَجَةُ هَذَا الحَدِيثِ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا دَرَجَةُ حَدِيثِ وَابِصَةَ: (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ... الحَدِيثِ).
فأجاب: حَدِيثُ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَهُ شَوَاهِدُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ، عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَيُّوبَ، وَقَالَ: وَحَدَّثَنِي جُلَسَاؤُهُ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ، فَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَمْرَانِ يُوجِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَعْفَهُ: أَحَدُهُمَا: انْقِطَاعُهُ بَيْنَ الزُّبَيْرِ وَأَيُّوبَ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ قَوْمٍ لَمْ يَسْمَعْهُمْ.
وَالثَّانِي: ضَعْفُ الزُّبَيْرِ هَذَا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْضًا، لَكِنَّهُ سَمَّاهُ أَيُّوبَ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، فَأَخْطَأَ فِي اسْمِهِ.
وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ وَابِصَةَ، خَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ وَابِصَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا، وَالسُّلَمِيُّ هَذَا، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، وَقَالَ فِي الْبَزَّارِ: الْأَسَدِيُّ عَنْ وَابِصَةَ، وَعَنْهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، وَلَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَخَرَّجَهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَعِنْدَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّاهُ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُحَمَّدًا.
قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبُ، لَمَا دَفَعْتُ ذَلِكَ، وَالْمَصْلُوبُ هَذَا صَلَبَهُ الْمَنْصُورُ فِي الزَّنْدَقَةِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ وَالْوَضْعِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ وَابِصَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَبَعْضُ طُرُقِهِ جَيِّدَةٌ، فَخَرَّجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي "صَحِيحِهِ"، مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ جَدِّهِ مَمْطُورٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِثْمُ؟ قَالَ: إِذَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ». وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ خَرَّجَ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، وَأَثْبَتَ أَحْمَدُ سَمَاعَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ ابْنُ مَعِينٍ.
وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَا يَحِلُّ لِي وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ، فَقَالَ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ». وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ مِشْكَمٍ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ أَيْضًا. وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي الصَّحِيحِ طَرَفٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ. وَيُرْوَى نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا.
وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عُبَيْدُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ سُوِيدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ وَرَدَّدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ بِأَصَابِعِهِ: مَا أَنْكَرَ قَلْبُكُ فَدَعْهُ». خَرَّجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَقَالَ: لَا أَدْرِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا؟ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ. قُلْتُ: هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، جَاءَ مَنْسُوبًا فِي كِتَابِ "الزُّهْدِ" لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ، فَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: "الْإِثْمُ حَوَازُّ الْقُلُوبِ". وَاحْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِيَّاكُمْ وَحَزَّازَ الْقُلُوبِ، وَمَا حَزَّ فِي قَلْبِكِ مِنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ. وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ رِجَالُهَا ثِقَاتٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ نَحْوُهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: مِنْ وَجْهٍ مُنْقَطِعٍ.