عدد الزوار 109 التاريخ Wednesday, February 23, 2022 4:43 AM
(344)
هَلْ يُوجَدُ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يُوجَدُ أَحَاديِثُ ضَعِيفَةٌ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ؟
فأجاب: أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ صَحِيحَيِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، وَأَنَّهُمَا أَصَحُّ دَوَاوِينِ الإِسْلَامِ بَعْدَ القُرْآنِ، وَتَلَقَّتِ الأُمَّةُ أَحَادِيثَ صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ بِالقَبُولِ، وَأَمَّا الأَحَادِيثُ أَوِ الأَلْفَاظُ المُنْتَقَدَةُ عَلَيْهِمَا انْتِقَادًا مُعْتَبَرًا وَمُؤَثِّرًا فِي صِحَّةِ الحَدِيثِ فَنَادِرٌ فِيهِمَا، وَقَدْ يَكُونُ مَحَلَّ خِلَافٍ بَيْنَ العُلَمَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الحَقُّ فِي بَعْضِهَا لِأَصْحَابِ الصَّحِيحِ، وَأَمَّا مَا اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ، فَهُوَ فِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الصَّحِيحِ. قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَمِمَّا قَدْ يُسَمَّى صَحِيحًا مَا يُصَحِّحُهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، وَآخَرُونَ يُخَالِفُونَهُمْ فِي تَصْحِيحِهِ، فَيَقُولُونَ: هُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِصَحِيحِ، مِثْلَ أَلْفَاظٍ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَنَازَعَهُ فِي صِحَّتِهَا غَيْرُهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إمَّا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ، فَهَذَا لَا يُجْزَمُ بِصِدْقِهِ إلَّا بِدَلِيلِ، مِثْلَ: حَدِيثِ ابْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)، فَإِنَّ هَذَا انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ عَنْ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَمِثْلَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: "صَلَّى الْكُسُوفَ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ"، انْفَرَدَ بِذَلِكَ عَنْ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ هَذَا ضَعَّفَهُ حُذَّاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالُوا: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إبْرَاهِيمُ، وَفِي نَفْسِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصَّلَاةُ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ، أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى ذَلِكَ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَمُتْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا كَانَ لَهُ إبْرَاهِيمَانِ، وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى الْكُسُوفَ يَوْمَئِذٍ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، كَمَا رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ إلَّا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ .... وَمِثْلُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: (إنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)؛ فَإِنَّ هَذَا طَعَنَ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ، مِثْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَمِثْلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَطَائِفَةٌ اعْتَبَرَتْ صِحَّتَهُ مِثْلَ أَبِي بَكْرِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ، وَأَبِي الْفَرَجِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَافَقُوا الَّذِينَ ضَعَّفُوهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَثَبَتَ أَنَّ آخِرَ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ أَسْمَاءُ الْأَيَّامِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ فِي أَحَادِيثَ وَآثَارٍ أُخَرَ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَفْسِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ نَازَعَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي صِحَّتِهَا، مِثْلَ: حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ: (إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، فَقَدْ نَازَعَهُ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ البَاجِيُّ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، لَكِنْ الصَّوَابُ مَعَ الْبُخَارِيِّ، وَأَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ ذَاكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْبُخَارِيُّ أَحْذَقُ وَأَخْبَرُ بِهَذَا الْفَنِّ مِنْ مُسْلِمٍ؛ وَلِهَذَا لَا يَتَّفِقَانِ عَلَى حَدِيثٍ إلَّا يَكُونُ صَحِيحًا لَا رَيْبَ فِيهِ، قَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ، ثُمَّ يَنْفَرِدُ مُسْلِمٌ فِيهِ بِأَلْفَاظِ يُعْرِضُ عَنْهَا الْبُخَارِيُّ، وَيَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إنَّهَا ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ مَنْ ضَعَّفَهَا: كَمِثْلِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعٍ، وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَ مُسْلِمٍ، وَهَذَا أَكْثَرُ، مِثْلَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: (إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)، فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ صَحَّحَهَا مُسْلِمٌ، وَقَبِلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهَا الْبُخَارِيُّ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُطَابِقَةٌ لِلْقُرْآنِ، فَلَوْ لَمْ يَرِدْ بِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ ...
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: التَّمْثِيلُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى فِي الصَّحِيحِ وَيُنَازِعُ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الرَّاجِحَ تَارَةً، وَتَارَةً الْمَرْجُوحَ، وَمِثْلُ هَذَا مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ، كَمَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ.
وَأَمَّا مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ مِثْلُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَحْكَامِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا صِدْقًا، وَجُمْهُورُ مُتُونِ الصَّحِيحِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، وَعَامَّةُ هَذِهِ الْمُتُونِ تَكُونُ مَرْوِيَّةً عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، رَوَاهَا هَذَا الصَّاحِبُ وَهَذَا الصَّاحِبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَاطَآ، وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ؛ فَإِنَّ الْمُحَدِّثَ إذَا رَوَى حَدِيثًا طَوِيلًا سَمِعَهُ، وَرَوَاهُ آخَرُ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَهُ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاطَآ عَلَى وَضْعِهِ: عُلِمَ أَنَّهُ صِدْقٌ ... إلخ.