عدد الزوار 122 التاريخ Wednesday, February 23, 2022 4:37 AM
(342)
صَحِيحُ البُخَارِيُّ وَأَحَادِيثُهُ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ أَحَادِيثُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ مُجَوَّدَةٌ كُلُّهَا؟
فأجاب: أَحَادِيثُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ، تَلَقَّتْهَا الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وَقَدْ يَغْلَطُ الرَّاوِي فِي لَفْظَةٍ، وَهَذَا التَّغْلِيطُ لَا يَطْعُنُ فِي هَذَيْنِ المَصْدَرَيْنِ، وَلَا يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِهِمَا بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ، وَإِنَّمَا الكَمَالُ لِكِتَابِ اللهِ وَحْدَهُ، قَالَ تَعَالَى: (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). قَالَ السُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ: "لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ: يَعْنِي الشَّيْطَانُ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَ وَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ".
وَمِثَالُ تَغْلِيطِ الرَّاوِي: حَدِيثُ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُنَا عَنْ "لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ: جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَتَوَلَّاهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَقِيلَ: مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً يَقَظَةً، وَمَرَّةً مَنَامًا، وَأَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ حَدِيثِ شَرِيكٍ، وَقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَيْقَظْتُ، وَبَيْنَ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ كَانَ هَذَا مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً قَبْلَ الْوَحْيِ؛ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ: "وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ"، وَمَرَّةً بَعْدَ الْوَحْيِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ: مَرَّةً قَبْلَ الْوَحْيِ، وَمَرَّتَيْنِ بَعْدَهُ، وَكُلُّ هَذَا خَبْطٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ضُعَفَاءِ الظَّاهِرِيَّةِ مِنْ أَرْبَابِ النَّقْلِ، الَّذِينَ إِذَا رَأَوْا فِي الْقِصَّةِ لَفْظَةً تُخَالِفُ سِيَاقَ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَعَلُوهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَكُلَّمَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الرِّوَايَاتُ عَدَّدُوا الْوَقَائِعَ، وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ النَّقْلِ: أَنَّ الْإِسْرَاءِ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ.
وَيَا عَجَبًا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ مِرَارًا، كَيْفَ سَاغَ لَهُمْ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ، ثُمَّ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ رَبِّهِ وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى تَصِيرَ خَمْسًا، ثُمَّ يَقُولُ: «أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي»، ثُمَّ يُعِيدُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ إِلَى خَمْسِينَ، ثُمَّ يَحُطُّهَا عَشْرًا عَشْرًا، وَقَدْ غَلَّطَ الْحُفُّاظُ شَرِيكًا فِي أَلْفَاظٍ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، وَمُسْلِمٌ أَوْرَدَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ، وَلَمْ يَسْرُدِ الْحَدِيثَ، فَأَجَادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.