عدد الزوار 154 التاريخ Monday, February 14, 2022 4:15 AM
(333)
هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ خَلِيفَةُ اللهِ.
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ يُطْلَقُ عَلَى أَحَدٍ بِأَنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ؟
فأجاب: هَذَا الإِطْلَاقُ يَحْتَمِلُ مَفْهُومًا لَا يَلِيقُ بِاللهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَعَالَى اللهُ مِنْ أَنْ يَغِيبَ عَنْ خَلْقِهِ، فَاللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ خَلِيفَةُ المُسَافِرِ فِي أَهْلِهِ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى كُلِّ مُسْلمٍ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَلَى مَنْ وَصَفَهُمَا بِذَلِكَ؛ لِذَا ذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى المَنْعِ، وَهُوَ أَحْوَطُ، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِقِيَامِ الخَلِيفَةِ بِحُقُوقِ اللهِ فِي خَلْقِهِ.
وَيُسْتَدَلُّ لَهُمْ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ، كُلُّهُمُ ابْنُ خَلِيفَةٍ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ، ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ، فَقَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ؛ فَبَايِعُوهُ، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ؛ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالذَّهَبِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَالبُوصِيرِيُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: "فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللهِ المَهْدِيُّ" مُنْكَرَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ "الأَذْكَارِ": "بَابٌ فِي أَلْفَاظٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَالَ لِلْقَائِمِ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ خَلِيفَةُ اللهِ، بَلْ يُقَالُ: الخَلِيفَةُ، وَخَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ".
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَاللهُ لَا يَجُوزُ لَهُ خَلِيفَةٌ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ: يَا خَلِيفَةَ اللهِ، قَالَ: لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللهِ؛ وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسْبِي ذَلِكَ. بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ خَلِيفَةً لِغَيْرِهِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا فِي سَفَرِنَا، وَاخْلُفْنَا فِي أَهْلِنَا)؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ حَيٌّ شَهِيدٌ مُهَيْمِنٌ قَيُّومٌ رَقِيبٌ حَفِيظٌ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا ظَهِيرٌ، وَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَالْخَلِيفَةُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَخْلَفِ بِمَوْت أَوْ غَيْبَةٍ، وَيَكُونُ لِحَاجَةِ الْمُسْتَخْلَفِ إلَى الِاسْتِخْلَافِ. وَسُمِّيَ "خَلِيفَةً"؛ لِأَنَّهُ خُلِّفَ عَنْ الْغَزْوِ وَهُوَ قَائِمٌ خَلْفَهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُنْتَفِيَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.