عدد الزوار 182 التاريخ Thursday, February 10, 2022 2:47 AM
(331)
مَعْنَى المُلَامَسَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ).
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا المُرَادُ بِالمُلَامَسَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)؟
فأجاب: قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا).
فَقَوْلُهُ: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ وَالعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: "أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الجِمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ،
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَغَيْرِهِمْ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: اللَّمْسُ مَا دُونَ الجِمَاعِ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ: فِي القُبْلَةِ الوُضُوءُ. وَرُوِي نَحْوُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ.
وَرَوَى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَجَسُّهُ بِيَدِهِ مِنَ المُلَامَسَةِ، فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ؛ فَعَلَيْهِ الوُضُوءُ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "وَالقَوْلُ بِوُجُوبِ الوُضُوءِ مِنَ المَسِّ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَمَالِكٍ، وَالمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُمُ اللهُ". وَرَجَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ المَسُّ عَنْ شَهْوَةٍ.
وَأَيَّدُوا قَوْلَهُمْ بِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ - وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً لَا يَعْرِفُهَا، فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَتَاهُ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - هَذِهِ الآيَةَ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ". قَالَ مُعَاذٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ بِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي لَيْلَى وَمُعَاذٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِلتَّوْبَةِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى القَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى اللهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ): الجِمَاعَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي اللَّمْسِ؛ لِصِحَّةِ الخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ. وَفِي رِوَايَةٍ قُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ. وَقَالَ يَحْيَى القَطَّانُ لِرَجُلٍ: احْكِ عَنِّي أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ شِبْهُ لَا شَيْءٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: مَعْلُولٌ، ذَكَرَ عِلَّتَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ نُزُولِ الْوُضُوءِ مِنْ اللَّمْسِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنَ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيُصَلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ. إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّمْسَ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّهَا فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَمَرَّ".
وَالأَظْهَرُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَسَّ المَرْأَةِ بِاليَدِ وَالقُبْلَةِ لَا يَنْقُضُ الوُضُوءَ وَلَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ - صَحَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ كَمَا هُوَ قَوْلُ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ أَمْ لَمْ يَصِحَّ - وَهُوَ قَوْلُ الجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يَنْقُضُ لِشَهْوَةٍ، وَمَنْ قَالَ: يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَهُوَ أَضْعَفُ الأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ، لَكِنَّ الوُضُوءَ مِنَ المَسِّ بِشَهْوَةٍ يُسْتَحَبُّ، إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ مَذْيٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، وَاللهُ أَعْلَم.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: رَوَى حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى بِأَنَّ عُرْوَةَ الْمَذْكُورَ هُوَ عُرْوَةُ الْمُزَنِيُّ، كَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ "مَا" حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إِلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ، وَعُرْوَةُ هَذَا لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَإِنْ كَانَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّ حَبِيبًا لَمْ يُدْرِكْهُ، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: "لَا تَظُنُّوا أَنَّ حَبِيبًا لَقِيَ عُرْوَةَ"، وَفِي الثَّانِي: بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيَّ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ عَائِشَةَ: وَجَوَابُ هَذَا أَنَّ عَامَّةَ مَا فِي الْإِسْنَادِ نَوْعُ إِرْسَالٍ، وَإِذَا أُرْسِلَ الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اعْتَضَدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ زَيْنَبَ السَّهْمِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ. انْتَهَى.