عدد الزوار 169 التاريخ Saturday, January 8, 2022 10:26 AM
(298)
دَرَجَةُ الحَدِيثِ المُرْسَلِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا دَرَجَةُ الحَدِيثِ المُرْسَلِ؟
فأجاب: الْمَشْهُورُ أَنَّ المُرْسَلَ هُوَ حَدِيثُ التَّابِعِينَ، وَالْمَشْهُورُ أَيْضًا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي اسْمِ الْإِرْسَالِ، فإِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"؛ فَهُوَ المُرْسَلُ.
وَمُرْسَلُ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ أَقْوَى مِمَّا رَوَاهُ التَّابِعِيُّ، وتَابِعِيُّ التَّابِعِيِّ، وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ أَصَاغِرِ التَّابِعِينَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَمُرْسَلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، وسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ أَكابرِ التَّابِعِينَ، أَقْوَى مِنْ مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي حَازِمٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ أَصَاغِرِ التَّابِعِينَ.
فَالَّذِي لَقِيَ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَالَسَهُمْ لَيْسَ كالَّذِي لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ، وَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِمْ عَنِ التَّابِعِينَ.
وَمُرْسَلُ الثِّقَةِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّى فِي رِوَايَتِهِ، بَلْ يَرْوِي عَنِ الضُّعَفَاءِ كَعَطَاءِ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلِ الثِّقَةِ الَّذِي يَتَحَرَّى وَيَنْتَقِي فِيمَنْ يَرْوِي عَنْهُ، كَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسَ، وَإِذَا عُرِفَتِ الوَاسِطَةُ حُكِمَ بِالقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ، بِحَسَبِ رُتْبَتِهَا.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ: مُرْسَلَاتُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ أَصَحُّ المُرْسَلَاتِ، وَمُرْسَلَاتُ إِبْرَاهِيمَ لَا بَأْسَ بِهَا، وَلَيْسَ فِي المُرْسَلَاتِ أَضْعَفُ مِنْ مَرَاسِيلِ الحَسَنِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ؛ فَإِنَّهُمَا يَأْخُذَانِ عَنْ كُلٍّ.
وَذَكَرَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ المَرَاسِيلَ لَيْسَتْ حُجَّةً، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَقَالَ: هِيَ حُجَّةٌ عِنْدَهُ.
قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا غَيْر.
وَلِلْمُنْقَطِعِ صُوَرٌ اخْتُلِفَ فِيهَا: أَهِيَ مِنَ الْمُرْسَلِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ عَدَّهَا الخَطِيبُ وَغَيْرُهُ مِنَ المَرَاسِيلِ، إِلَّا أَنَّ المُنْقَطِعَ ضَعِيفٌ بِالاتِّفَاقِ، وَبَعْضُهُ أَضْعَفُ مِنْ بَعْضٍ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: "ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْسَلِ حُكْمُ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، إِلَّا أَنْ يَصِحَّ مُخْرَجُهُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي نَوْعِ الْحَسَنِ؛ وَلِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِمُرْسَلَاتِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهَا وُجِدَتْ مَسَانِيدَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِإِرْسَالِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، كَمَا سَبَقَ.
وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ الِاعْتِمَادَ حِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَى الْمُسْنَدِ دُونَ الْمُرْسَلِ، فَيَقَعُ لَغْوًا لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ بِالْمُسْنَدِ يَتَبَيَّنُ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَالُ، حَتَّى يُحْكَمَ لَهُ مَعَ إِرْسَالِهِ بِأَنَّهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ تَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ، عَلَى مَا مَهَّدْنَا سَبِيلَهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ هَذَا مَنْ لَا مَذَاقَ لَهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَالْحُكْمِ بِضَعْفِهِ، هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاهِيرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِ الْأَثَرِ، وَقَدْ تَدَاوَلُوهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ.
وَفِي صَدْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "الْمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، لَيْسَ بِحُجَّةٍ".
وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - حَافِظُ الْمَغْرِبِ - مِمَّنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي طَائِفَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ". انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: "الحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُرْسَلًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ".
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ المُرْسَلَ الأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، فَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا يَجْعَلُهُ مَقْبُولًا أَوْ مَرْدُودًا.
رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا».
وَقَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا إِرْسَالٌ؛ فَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَبِرَأْيِهِ وَبِفُتْيَاهُ، قَدْ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَخْوَالِهِ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ يَزِيدَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُوَ الْقَائِلُ: "إِذَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَهُوَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ سَمَّيْتُهُ لَكُمْ".