عدد الزوار 140 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:39 AM
فأجاب: بَيْعُ الْعِيْنَةِ لَهُ صُوَرٌ، أَشْهَرُهَا: أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِثَمَنِ آجِلٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِنَقْدٍ أَقَلَّ، وَبَيْعُ الْعِيْنَةِ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِيْنَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ.
وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ امْرَأَتِهِ: "أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ هِيَ وَأُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدٍ: إنِّي بِعْتُ مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةٍ نَسِيئَةً، وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ: أَبْلَغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ، بِئْسَمَا شَرَيْتِ، وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْتِ". لَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَبَيَّنَ ابْنُ القَيِّمِ وَجْهَ ثُبُوتِهِ، وَأَطَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوْجُهِ ضَعْفِهِ وَبُطْلَانِهِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا، لَمْ يَجُزْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِهِ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهَا، فَجَازَ مِنْ بَائِعِهَا، كَمَا لَوْ بَاعَهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا.
وَلَنَا - وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ امْرَأَتِهِ - قَالَ: رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا - يَعْنِي عَائِشَةَ - لَا تَقُولُ مِثْلَ هَذَا التَّغْلِيظِ وَتُقْدِمُ عَلَيْهِ، إلَّا بِتَوْقِيفٍ سَمِعَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَرَى مَجْرَى رِوَايَتِهَا ذَلِكَ عَنْهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ السِّلْعَةَ، لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ قَالَ: أَرَى مِائَةً بِخَمْسِينَ بَيْنَهُمَا حَرِيرَةٌ. يَعْنِي خِرْقَةَ حَرِيرٍ جَعَلَاهَا فِي بَيْعِهِمَا. انتهى.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: صَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُمَا سُئِلَا عَنْ الْعِيْنَةِ، فَقَالَا: "إنَّ اللَّهَ لَا يُخْدَعُ، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ".